يَتَوَلَّدُ عِندَ المُرِيدِ، إِذَا صَحِبَ شَيْخًا مُدَّعِيًا، لَا حَالٌ وَاحِدٌ، بَلْ سِلْسِلَةٌ مِنَ الآفَاتِ الْمُتَرَاكِبَةِ، تَمَسُّ الْقَلْبَ وَالْعَقْلَ وَالدِّينَ، وَتُفْسِدُ السُّلُوكَ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ صَاحِبُهَا أَنَّهُ يُحْسِنُ السَّيْرَ.
وَمِنْ أَخْطَرِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ ذَلِكَ:
أَوَّلًا: اضْطِرَابُ الْمِيزَانِ الدَّاخِلِيِّ
يَخْتَلُّ عِنْدَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَيُصْبِحُ الصَّوَابُ تَابِعًا لِهَوَى الشَّيْخِ، لَا لِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ وَلَا لِنُورِ الْفِطْرَةِ.
ثَانِيًا: تَقْدِيسُ الْأَشْخَاصِ بَدَلَ تَعْظِيمِ الْحَقِّ
فَيَتَعَلَّقُ بِالشَّيْخِ تَعَلُّقًا يُزَاحِمُ تَعَلُّقَهُ بِاللَّهِ، وَيُبَرِّرُ لَهُ الْخَطَأَ، وَيُلْتَمَسُ لَهُ الْعُذْرُ حَيْثُ لَا عُذْرَ.
ثَالِثًا: تَعْطِيلُ الْعَقْلِ بِاسْمِ الطَّاعَةِ
فَتَتَحَوَّلُ الطَّاعَةُ مِنْ عُبُودِيَّةٍ لِلَّهِ إِلَى تَبَعِيَّةٍ عَمْيَاءَ، وَيُسْتَبْدَلُ «قَالَ اللَّهُ وَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» بِـ«قَالَ الشَّيْخُ وَأَشَارَ».
رَابِعًا: قَسْوَةُ الْقَلْبِ مَعَ تَوَهُّمِ الصَّفَاءِ
يَكْثُرُ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ، وَيَغِيبُ الْخُشُوعُ، وَتُرْفَعُ الشِّعَارَاتُ الرُّوحِيَّةُ، بَيْنَمَا يَذْبُلُ الْخُلُقُ، وَيَقْسُو الْقَلْبُ عَلَى الْخَلْقِ.
خَامِسًا: خَوفٌ مَرَضِيٌّ وَفَقْدَانُ الْحُرِّيَّةِ الرُّوحِيَّةِ
يَخَافُ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّيْخِ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَعِيشُ مُقَيَّدًا بِالرَّهْبَةِ، لَا مُنْطَلِقًا بِالْمَحَبَّةِ.
سَادِسًا: الِاسْتِعْلَاءُ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارُهُمْ
يَظُنُّ نَفْسَهُ مِنَ «الْخَاصَّةِ»، وَيَرَى غَيْرَهُ فِي ضَلَالٍ، فَيَقَعُ فِي الْكِبْرِ وَهُوَ يَحْسَبُهُ مَقَامًا.
سَابِعًا: الِانْكِسَارُ وَالْخَيْبَةُ عِنْدَ سُقُوطِ الْقِنَاعِفَإِذَا انْكَشَفَ زَيْفُ الشَّيْخِ، تَزَلْزَلَ الْإِيمَانُ، وَانْهَارَ الْبِنَاءُ النَّفْسِيُّ، وَرُبَّمَا ضَاعَ الدِّينُ مَعَ الْمُدَّعِي.
الْخُلَاصَةُ:
مُصَاحَبَةُ الشَّيْخِ الْمُدَّعِي لَا تُخْرِجُ مُرِيدًا، بَلْ تَصْنَعُ تَابِعًا،وَلَا تُهَذِّبُ نَفْسًا، بَلْ تُشَوِّهُ الْفِطْرَةَ،وَلَا تُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ، بَلْ تَسْتَبْدِلُ الطَّرِيقَ بِالْوَهْمِ.
فَالشَّيْخُ الْحَقُّ:
يَزِيدُكَ أَدَبًا، لَا تَبَعِيَّةً،وَوَعْيًا، لَا غَفْلَةً،وَتَعَلُّقًا بِاللَّهِ، لَا بِهِ.
وَكُلُّ طَرِيقٍ لَا يُفْضِي إِلَى اللَّهِ… فَلَيْسَ بِطَرِيقٍ.
