آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الحكم العطائية (214) : قربك منه أن تكون مشاهداً لقربه ، وإلا فمن أين أنت ووجود قربه .

إذا حققت أن الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته ، علمت علم يقين أن الأكوان والمكان والزمان لا وجود لها ، وأن الحق كما كان وجود وحده ولا أين ولا مكان ، بقي كذلك لا أين ولا مكان ولا زمان نور أحديته محا وجود الأكوان ، فانتفى بوجوده الزمان والمكان ولم يبق إلا الواحد المنان . وفي البخاري عنه صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار " .
فالوجود الحقيقي إنما هو لذاته وأثر صفاته ، تجلى واستتر واختفي فيما ظهر . فإذا علمت هذا علمت انه تعالى قريب من كل شيء ، محيط بكل شئ ولا شئ إلا الذي : ( ليس كمثله شئ ) .

لكن حكمة الحكيم أثبتت الحادث والقديم ، فمن فتح الله عين بصيرته شهد عدمه لوجوده ، فأبصر الحق محيطاً به ، وماحياً لوجوده ومن طمس الله عين بصيرته لم ير إلا الفرق ولم يدرك إلا البعد فإذا أراد الله أن يقربه إليه فتح شعاع بصيرته ، فيبصرالحق قريباً منه محيطاً به .

روى أن الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه قال يوماً بين يدي أستاذه : اللهم اغفر لي يوم لقائك ، فقال له شيخه هو أقرب إليك من ليلك ونهارك ولكن الظلم أوجب الظلام ، وسيق القضاء حكم بالزوال عن درجات الأنس ومنازل الوصال ، وللظالم يوم لا يرتاب فيه ولا يحتال ، والسابق قد وصل في الحال :{ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } كلامه رضي الله عنه .
فمعنى قربك من الحق أن تكون مشاهداً لقربه منك قرب وجود وإحاطة وذلك بعد أن تلطفت عواملك ، وفنيت دائرة حسك وحينئذ يتحقق قربك منه .
قال تعالى : { وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس }
وقال تعالى :{ أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد } الآية .
وإن لا تعتقد هذا ، واعتقدت وجود نفسك وثبوت حسك الوهمي فلا تشاهد إلا العبد ، فمن أين أنت ووجود قربك الحسى من نوره اللطيف حتى تراه بعين الحس ؟ فما دمت في عالم الأشباح فأنت بعيد من عالم الأرواح ، في حال قربك منه كما قال القائل :
ومن عجب أنى أحن إليهم 
واسئل شوقاً عنهم وهم معي

وتبكيهم عيني وهم بســوادها 
ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي

سبحان من بعد قوماً في حال قربهم ، وقرب قوماً من غير بعدهم وراجع ما تقدم لنا في الشرح عند قوله : شعاع البصيرة تفهم المسئلة على أصلها . وحق هذه الحكمة أن تتقدم على التي قبلها ، لأن القرب سابق على الوصول ، ولما ترتب على ذكر الوصول من ذكر الواردات والأمر قريب ، والله تعالى أعلم .

وقال الشيخ زروق رضي الله عنه في شرح هذه الحكمة : القرب في الجملة على ثلاثة أوجه.
أحدها : قرب الكرامة ، وهو تقريب الحق عبده حتى يكون مشاهداً لقربه منه فيتولاه دون ما سواه .
الثاني : قرب الإحاطة ، إحاطة العلم والقدرة والإرادة ، وعمومالتصرف وهذا الحق من عبده .
الثالث : قرب المناسبة والمسافة ، ولا يصح في جناب الربوبية لاستحالة المسافة عليه ونفى مناسبة العبد للرب ، فتقدير الكلام قربك منه على وجه الكرامة أن تكون مشاهداً لقربه منك على وجه الإحاطة وإلا فمن أين أنت ووجود قربه على وجه التناسب والمسافة.
وإنما نقلته لعلمي أن الكتاب يطالعه من يحسن العوم ومن لا يحسنه فإذا خاف من البحر وجد جزيرة يأوى إليها وبالله التوفيق .
ومن حصل على مقام القرب والوصول ، ترد عليه الحقائق العرفانية والأسرار الربانية ، والعلوم اللدنية ، تارة ترد مجملة ثم يقع التفصيل وتارة مفصلة وهو غالب واردات أهل التمكين ، والغالب أن هذه الواردات إنما ترد بعد الفتح والوصول.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق