نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تفسير قوله تعالى : أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.

(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)

يقول الحقّ جلّ جلاله : في شأن اليهود والإنكار عليهم : { أَوَ كُلَّمَا } أعطوا عهداً وعقدوه على أنفسهم طرحه { فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } ؟ فقد أعطوا العهد أنهم إن أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ولينصرنه ، فلما أدركوه نبذوا ذلك العهد ونسوه . وكذلك أعطوا العهد للنبيَ صلى الله عليه وسلم ألا يعاونوا المشركين عليه ، فنبذه بنو قريظة والنضير ، ولم ينقضه جميعهم بل فريق منهم ، وهم الأكثر ، ولذلك قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } ، فالأكثر هم الناقضون للعهود ، المجاوزون للحدود . والله تعالى أعلم .

الإشارة : نقض العهد مع الله أو مع عباده من علامة النفاق ، ومن شيم أهل البعاد والشقاق ، والوفاء بالعهد من علامة الإيمان ، ومن شيم أهل المحبة والعرفان . قال تعالى في صفة المفلحين : { وَالَّذِينَ هُمْ لأَمانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [ المؤمنون : 8 ] ، ولا سيما عهود الشيوخ؛ أهل التمكين والرسوخ ، فمن أخذ عقد الصحبة مع الشيخ الذي هو أهل للتربية؛ فيحذر مِنْ حَلّ العقدة بينه وبينه ، فإنَّ ذلك يقطع الإمداد ، ويوجب الطرد والبعاد ، والالتفات إلى غيره تسويس لبذرة الإرادة ، وموجب لقطع الزيادة والإفادة ، ثم إن الانجماع على الشيخ ، وقطع النظر والالتفات إلى غيره هو سبب للكون - كذلك - مع الله ، فبقدر الانقطاع إلى الشيخ يحصل الانقطاع إلى الله ، وبقدر ترك الاختيار وسلب الإرادة مع الشيخ يحصل كذلك مع الله ، وبقدر الوفاء بعهود شيوخ التربية يحصل الوفاء بعهود حقوق الربوبية . فمن كانت غيبته في الشيخ أقوى ، وانحياشه أليه أكثر ، وجمعه عليه أدوم ، كان كذلك مع ربه ، وكذلك التعظيم والأدب ، والله يعامل العبد على حسب ذلك .

قال الشيخ زَرُّوق رضي الله عنه : ( ولا تنتقلْ عنه ، ولو رأيت من هو أعلى منه ، فتحرمَ بركة الأول والثاني ) ، ولذلك كان المشايخ يمنعون أصحابهم من صحبة غيرهم ، بل من زيارتهم ، وأنشدوا :

خُذْ مَا تَراهُ ودَعْ شَيْئاً سَمِعتَ بِهِ 
 في طلْعَةِ البدرِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِ

وحاصل أمر الزيارة لغير شيخه أن فيه تفصيلاً : فمن كَمُل صدقه ، وتوفر عقله ، بحيث إذا زار لا يستنقص شيخه ، ولا الذي زاره ، جاز له أن يزور من شاء ، ومن لم يكمل صِدقُهُ وعقله ، بحيث إذا زار : إما يستنقص شيخه ، أو الشيخ الذي زاره ، فليكف عن زيارة غير شيخه . وقال محيي الدين بن العربي : ويجب على المريد أن يعتقد في شيخه أنه عالم بالله ، ناصح لخلق الله.

 تفسير ابن عجيبة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق