آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الحكم العطائية ( 104 ) : أنار الظواهر بأنوار آثاره ، وأنار السرائر بأنوار أوصافه .

{ أنار الظواهر بأنوار آثاره ، وأنار السرائر بأنوار أوصافه ؛ لأجل ذلك أفلت أنوار الظواهر ، ولم تأفل أنوار القلوب والسرائر ؛ ولذلك قيل : إن شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب ليست تغيب }.

قال بعضهم : لو شربت في كل لحظة ألف بحر لا ترى ذلك إلا قليلاً وتشهد شفتيك يابسة وكل ذلك كناية عن عدم النهاية وأن المقصود غير منضبط، فالعارف لا يزال مفتقراً للزيادة على الدوام فلا يزول أضطراره على الدوام، وقد قال الله تعالى لسيد العارفين: "وقل رب زدني علماً" فالاضطرار إلى زيادة العلم لا ينقطع ولو جمع علوم أهل السموات والأرض، قال تعالى مخاطباً للكل:" وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" وأما وجه كونه لا يكون مع غير الله قراره فلأن قلب العارف رحل إلى الله من الكون بأسره، فلم تبق له حاجة إلى غيره ،فقراره إنما هو شهود الذات الأقدس فإن نزل إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فبالأذن والتمكن والرسوخ في اليقين، فالعارف ليس له عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار، وأيضاً سابق العناية لا يتركه يركن إلى غير مولاه، فمهما ركن قلبه إلى شيء شوشته عليه العناية وأكتنفته الرعاية، فهو محفوظ من الأغيار محفوف من كل جهة بمدد الأنوار، إذا كان الله حرس السماء من أستراق السمع فكيف لا يحرس قلوب أوليائه من الأغيار، وما تولاهم بمحبته حتى حفظهم من شهود غيره، فكيف بالركون فكيف بالسكون هيهات هيهات هذا لا يكون من كان ظاهره محفوفاً بالأنوار وباطنه محشواً بالأسرار، فكيف يركن إلى شهود الأغيار، كما أبان ذلك بقوله:

(أنار الظواهر بأنوار آثاره وأنار السرائر بأنوار أوصافه) 

أنوار الظواهر هي ما ظهر على تجليات الأكوان من تأثير قدرته وابداع حكمته كتزيين السماء بالكواكب والقمر والشمس وما فيها من ابداع الصنع وتمام الاتقان وكتزيين الأرض بالأزهار والثمار والنبات وسائر الفواكه وكتزيين الأنسان بالبصر والسمع والكلام وسائر ما فيه من عجائب الصنعة، قال تعالى:" لقد خلقنا الأنسان في أحسن تقويم" وقال تعالى:" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" فهذه أنوار الظواهر وأنوار الأوصاف هي العلوم والمعارف والأسرار والمراد بالأوصاف أوصاف الربوبية كالعظمة والعزة والجلال والجمال والكبرياء والكمال وغير ذلك من أوصاف الذات العلية ،والذات لا تفارق الصفات، فإذا أشرقت السرائر بأنوار معرفة الصفات فقد أشرقت بأنوار معرفة الذات للتلازم الذي بين الصفات ،والذات ثم الناس في شهود هذه الأنوار الباطنة التي هي أنوار الأوصاف على ثلاثة أقسام:

قسم يشهدونها على البعد وهم أهل مقام الأسلام، وقسم يشهدونها على القرب وهم أهل المراقبة من مقام الإيمان، وقسم يشهدونها على الأتصال وهم أهل المعرفة من مقام الأحسان، فأهل مقام الأسلام أنوارهم ضعيفة كأنوار النجوم، وأهل مقام الإيمان أنوارهم متوسطة كنور القمر، وأهل مقام الأحسان أنوارهم ساطعة كأنوار الشمس، فتحصل أن أنوار الباطن ثلاثة نجوم: الإسلام وقمر التوحيد وشمس المعرفة، وإلى هذا المعنى أشار ابن الفارض بقوله:
لها البدر كأس وهي شمس يديرها .
 هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم

فالضمير لخمرة المحبة وهي أيضاً شمس المعرفة، فإذا مزجت لتشرب ظهر نجم الأسلام وإذا وضعت في الكأس طلع قمر التوحيد وهو الإيمان، وإذا شربت أشرقت شمس المعرفة والذي يديرها على الشاربين هلال الهداية، هذا معنى كلامه في الجملة، وتشبيه الأنوار المعنوية بالأنوار الحسية إنما هو تقريب وإلا فأنوار القلوب كلها عظيمة، حتى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: (لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض) فما ظنك بنور المؤمن المطيع. 

وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه:( لو كشف عن حقيقة الولي لعبد من دون الله).

وقال في لطائف المنن: ولو كشف الحق عن مشرقات قلوب أنوار أوليائه لانطوي نور الشمس والقمر في مشرقات أنوار قلوبهم وأين نور الشمس والقمر من أنوارهم الشمس والقمر يطرأ عليهما الكسوف والغروب وأنوار قلوب أوليائه لا كسوف لها ولا غروب لذلك قال قائلهم:
هذه الشمس قابلتنا بنور 
 ولشمس اليقين أبهرنوراً
فرأينا بهذه النور لكن 
 بهاتيك قد رأينا المنيرا

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية