آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الدس على الصوفية

تعرض الإسلام منذ انبثاق فجره إلى خصوم أشداء، وأعداء ألداء حاولوا تقويض بنيانه وتحطيم أركانه عن طريق تشويه معالمه ودس الأباطيل والخرافات في علومه كما حدث في التفسير (الإسرائيليات مثلاً) والحديث (كالأحاديث الموضوعة مثلاً لتحطيم العقيدة كالتجسيم والتشبيه والفوقية والجهة. وكذلك وضعوا في الترغيب والترهيب أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا قيل لهم: لم تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: نحن نكذب له لا عليه! والتصوف كذلك.

فمنهم من أدخل في كتب الصوفية أفكاراً منحرفة كقولهم: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا – وما الرب إلا راهب في كنيسة. {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}. ومنهم من أراد أن يفسد دين المسلمين فنسب إلى بعض رجال الصوفية أقوالاً تخالف عقيدة أهل السنة كالقول بالحلول والاتحاد وبأن الخالق عين المخلوق. ومنهم من حاول تشويه تاريخ رجال الصوفية ونزع ثقة الناس بهم فدس في كتبهم قصصاً من نسج الخيال فيها ارتكاب للمنكرات كما نجد في الطبقات الكبرى للإمام الشعراني رحمه الله تعالى وهو منها بريء. ومنهم المبشرون والمستشرقون وأبواق الاستعمار الذين درسوا كتب السادة الصوفية وكتبوا عنهم المؤلفات لأجل التحريف والتزوير والدس، يقصدون أن يطعنوا في الإسلام في صميمه وأن يسلخوا روح الدين عن جسده كأمثال (نيكلسون الإنكليزي، وجولدزيهر اليهودي، وماسينيون الفرنسي وغيرهم) وانجرف البعض في تيار محاربة الصوفية. وبعد هذا التوضيح، إن قال قائل: إن ما نسب إلى الصوفية من أقوال مخالفة هي حقاً من كلامهم بدليل وجودها في كتبهم المطبوعة المنشورة. نقول له: ليس كل ما في كتب الصوفية لهم، لأنها لم تسلم من حملات الدس والتحريف كما بينا. وما أحوجنا إلى تضافر جهود المؤمنين المخلصين لتنقية هذا التراث الإسلامي الثمين مما لحق به. ولو ثبت بطريق صحيح عن بعض الصوفية كلام مخالف لحدود الشريعة فنقول: ليست كل كلمة فرد واحد حجة على جماعة شعارها ومذهبها التمسك بالكتاب والسنة. 
وهناك أقوام مغرضون درسوا كتب السادة الصوفية وتتبعوا ما فيها من دس وتشويه واعتبروها حقائق ثابتة وارتكزوا عليها في حملاتهم العنيفة وتهجماتهم الشديدة على السادة الصوفية الأبرار. ولو أنهم قرأوا ما يعلنه رجال التصوف في كتبهم من استمساكهم بالشريعة وبتقيدهم بالمذاهب الإسلامية المعتبرة لأدركوا تماماً أن ما ورد في كتبهم مما يناقض هذا المبدأ الواضح، إنما هو مؤول أو مدسوس. وإليك بعض أمثلة الدس المفتراة على العلماء في كتبهم: يقول ابن الفراء في طبقاته نقلاً عن أبي بكر المروزي ومسدد وحرب إنهم قد رووا الكثير من المسائل، ونسبوها للإمام أحمد بن حنبل... وبعد أن يفيض في ذكر هذه المسائل يقول: رجلان صالحان بُليا بأصحاب سوء: جعفر الصادق، وأحمد بن حنبل، فأما جعفر الصادق فقد نسبت إليه أقوال كثيرة دونت في فقه الشيعة الإمامية على أنها له، وهو بريء منها. وأما الإمام أحمد فقد نسب إليه بعض الحنابلة آراء في العقائد لم يقل بها. وقال الشعراني رحمه الله تعالى في كتابه اليواقيت والجواهر: ( وقد دس الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائغة، ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته).
والإمام علي رضي الله عنه فقد دُس عليه كتاب نهج البلاغة أو أكثره، ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. 
وممن دُس عليهم الإمام الشعراني رحمه الله تعالى، وأكثر مادُس عليه في الطبقات الكبرى ولقد أوضح ذلك في كتابه لطائف المنن والأخلاق فقال: ( ومما منّ الله تبارك وتعالى به عليّ صبري على الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاماً يخالف ظاهر الشريعة وصاروا يستفتون عليّ زوراً وبهتاناً. واعلم يا أخي أن أول ابتلاء وقع لي في مصر من نحو هذا النوع أني لما حججت سنة سبع وأربعين وتسعمائة زور عليّ جماعة مسألة فيها خرق لإجماع الأئمة الأربعة، وهو أنني أفتيت بعض الناس بتقديم الصلاة عن وقتها إذا كان وراء العبد حاجة، قالوا: وشاع ذلك في الحج، وأرسل بعض الأعداء مكاتبات بذلك إلى مصر من الجبل، فلما وصلت إلى مصر حصل في مصر رج عظيم حتى وصل ذلك غلى إقليم الغربية والشرقية والصعيد وأكابر الدولة بمصر، فحصل لأصحابي غاية الضرر..... فقلت ما بال الناس؟ فأخبروني بالمكاتبات التي جاءتهم من مكة، فلا يعلم عدد من اغتابني ولاث بعرضي إلا الله عز وجل.) وأضاف: (ثم إني لما صنفت كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود، وكتب عليه علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا نحو أربعين نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منه نسخته وكتبوا لهم بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائغة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين...... ثم أخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتبيين في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالى ثم دار بها على علماء جامع الأزهر... فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث الناس يلوثون بي في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة، وأنا لا أشعر. وانتصر لي الشيخ ناصر الدين اللقاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين الحلبي، كل ذلك وأنا لا أشعر، فأرسل لي شخص من المحبين بالجامع الأزهر وأخبرني الخبر فأرسلت نسختي التي عليها خطوط العلماء فنظروا فيها فلم يجدوا فيها شيئاً مما دسه هؤلاء الحسدة فسبّوا من فعل ذلك وهو معروف. 
وقال الفقيه الكبير أحمد بن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى في الفتاوى الحديثية : (وإياك أن تغتر بما وقع في كتاب الغنية لإمام العارفين وقطب الإسلام والمسلمين الشيخ عبد القادر الجيلاني فانه دسه عليه فيها من سينتقم الله منه وإلا فهو بريء من ذلك. وكيف تروج عليه هذه المسألة الواهية مع تضلعه من الكتاب والسنة وفقه الشافعية والحنابلة حتى كان يفتي على المذهبين).
ومما دُس على رابعة العدوية رحمها الله تعالى قولها عن الكعبة: (هذا الصنم المعبود في الأرض). وهذا ابن تيمية نفسه يُكذِّب نسبة هذا القول إليها ويبين أنه مدسوس ومكذوب عليها، فقد قال حين سئل عن ذلك: (وأما ما ذكر عن رابعة من قولها عن البيت: إنه الصنم المعبود في الأرض فهو كذب على رابعة المؤمنة التقية. ولو قال هذا من قال لكان كافراً يستتاب، فإن تاب إلا قتل، وهو كذب، فإن البيت لا يعبده المسلمون، ولكنهم يعبدون رب البيت بالطواف به والصلاة إليه) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية رحمه الله.
وإننا لا ننسى أن الذي ساعد على الدس والتضليل والافتراء عدم الطباعة الفنية والمراقبة الشديدة في الماضي كما هي عليه اليوم في عصرنا الحاضر من الطبع المنظم ومن العقوبات القانونية لمن يتجرأ على طبع شيء من الكتب بغير إذن مؤلفها بخلاف عصر النسخ للكتب الخطية، فقد كان الدساسون والكذابون يروجون كتباً فيها ما فيها من الدجل والكذب ما الله به عليم، ويدخلون على كتب العلماء وخصوصاً الصوفية الدسائس والأباطيل.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية