نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الصلاة على رسول الله معراج الوصول إلى الله

الإشارة : اعلم أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سلم ومعراج الوصول إلى الله؛ لأن تكثير الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم توجب محبته ، ومحبته عليه الصلاة والسلام توجب محبة الله تعالى ، ومحبته تعالى للعبد تجذبه إلى حضرته ، بواسطة وبغيرها .

وأيضا : الرسول صلى الله عليه وسلم وزير مقرب ، ومن رام دخول حضرة الملوك يخدم الوزير ، ويتقرب إليه ، حتى يدخله على الملك . فهو صلى الله عليه وسلم حجاب الله الأعظم ، وبابه الأكرم ، فمن رام الدخول من غير بابه طرد وأبعد ، وفي ذلك يقول ابن وفا :

وأنت باب الله ، أي امرىء ... وفاه من غيرك لا يدخل

وقال الشيخ الجزولي رضي الله عنه في دلائل الخيرات : وهي من أهم المهمات لمن يريد القرب من رب الأرباب . وقال شارحه : ووجه أهميتها من وجوه ، منها : ما فيها من التوسل إلى الله سبحانه بحبيبه ومصطفاه . وقد قال تعالى : { وابتغوا إليه الوسيلة }( المائدة : 35)، ولا وسيلة إليه أقرب ، ولا أعظم ، من رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم .

ومنها : أن الله تعالى أمر بها ، وحضنا عليها ، تشريفا له وتكريما ، وتفضيلا لجلاله ، ووعد من استعملها حسن المآب ، وجزيل الثواب ، فهي من أنجح الأعمال ، وأرجح الأقوال ، وأزكى الأحوال ، وأحظى القربات ، وأعم البركات ، وبها يتوصل إلى رضا الرحمن ، وتنال السعادة والرضوان ، وتجاب الدعوات ، ويرتقي إلى أرفع الدرجات . وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : يا موسى أتريد أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك ، ومن وسواس قلبك إلى قلبك ، ومن روحك إلى بدنك ، ومن نور بصرك إلى عينيك؟ قال : نعم يا رب ، قال : فأكثر من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم .

ومنها : أنه صلى الله عليه وسلم محبوب لله عز وجل ، عظيم القدر عنده ، وقد صلى عليه وهو وملائكته ، فوجبت محبة المحبوب ، والتقرب إلى الله تعالى بمحبته ، وتعظيمه ، والاشتغال بحقه ، والصلاة عليه ، والاقتداء بصلاته ، وصلاة ملائكته ، وصلاة ملائكته عليه . قلت : وهذا التشريف أتم وأعظم من تشريف آدم عليه السلام ، بأمر الملائكة بالسجود له؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف . فتشريف يصدر عنه مع ملائكته أبلغ من تشريف تختص به الملائكة .

ومنها : ما ورد في فضلها ، ووعد عليها من جزيل الأجر وعظيم القدر ، وفوز مستعملها برضا الله ، وقضاء حوائج آخرته ودنياه .

ومنها : ما فيها من شكر الواسطة في نعم الله علينا المأمور ، بشكره ، وما من نعمة لله علينا ، سابقة ولا لا حقة؛ من نعمة الإيجاد والإمداد ، في الدنيا والآخرة ، إلا وهو السبب في وصولها إلينا ، وإجرائها علينا ، فوجب حقه علينا ، ووجب علينا في شكر نعمته ألا نفتر عن الصلاة عليه ، مع دخول كل نفس وخروجه .
ومنها : ما فيها من القيام برسم العبودية ، بالرجوع لما يقتضي الأصل نفيه ، فهو أبلغ في الامتثال ، ومن أجل ذلك كانت فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على كل عمل . والذي يقتضي الأصل نفيه ، هو كون العبد يتقرب إلى الله بالاشتغال بحق غيره؛ لأن قولنا :
« اللهم صل على محمد » هو الاشتغال بحق محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصل التعبدات : ألا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالاشتغال بحقه . ولكن لما كان الاشتغال بالصلاة على محمد بإذن من الله تعالى ، كان الاشتغال بها أبلغ في امتثال الأمر ، فهي بمثابة أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم ، فكان شرفهم في امتثال أمر الله ، وإهانة إبليس في مخالفة أمره سبحانه .

ومنها : ما جرب من تأثيرها ، والنفع بها في التنوير ورفع الهمة ، حتى قيل : إنها تكفي عن الشيخ في الطريق ، وتقوم مقامه ، حسبما نقله الشيخ السنوسي ، والشيخ زروق ، وغيرهما .

ومنها : ما فيها من سير الاعتدال ، الجامع لكمال العبد وتكميله ، ففي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله ورسوله ، ولا كذلك عكسه ، فلذلك كانت المثابرة على الأذكار والدوام عليها يحصل به الانحراف ، وتكسب نورانية تحرق الأوصاف ، وتثير وهجا وحرارة في الطباع ، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تذهب وهج الطباع ، وتقوي النفوس؛ لأنها كالماء البارد ، فكانت تقوم مقام شيخ التربية . انتهى كلامه .

والحق الذي لا غبار عليه : إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، والإكثار منها ، تدل صاحبها على من يأخذ بيده ، وتوصله إلى شيخ التربية ، الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن كان صادق الطلب ، وأما كونها تقوم مقام الشيخ في دخول مقام الفناء والبقاء ، حتى تعتدل حقيقته وشريعته فلا؛ إذ لا تنقطع رعونات النفوس إلا بآمر وناه من غيره ، يكون عالما بدسائس النفوس وخدعها ، وغاية ما توصل إليه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يظفر بالشيخ الفناء في الصفات ، وينال مقام الصلاح الأكبر ، ويظهر له كرامات وخوارق ، ويكون من أرباب الأحوال ، وإن وصل إلى مقام الفناء تكون شريعته أكبر من حقيقته .

هذا ما ذقناه ، وشهدناه ، وسمعناه من أشياخنا ، والطريق التي أدركناهم يستعملونها ، وأخذناها منهم ، أنهم يأمرون المريد إن رأوه أهلا للتربية أن يلتزم الاسم المفرد ، ويفنى فيه ، حتى تنهدم به عوالمه ، فإذا تحقق فناؤه وغاب عن نفسه ورسمه ، ردوه إلى مقام البقاء ، وحينئذ يأمرونه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتكون صلاته عليه كاملة ، يصلي على روحه وسره بلا حجاب ، ويشاهده في كل ساعة كما يشاهدونه . وبالله التوفيق .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق