آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مصطلحات صوفية : المشاهدة

من ثمرات السلوك إلى الله تعالى"المشاهدة" ، ويقصد بها أن يكشف الله تعالى عن عبده السالك في طريقه "حجاب الوجود، ويطلع صبح التوحيد وقمره، وتبزغ شموس المعرفة، وينمحي ليل الوجود بطلوع فجر التوحيد؛ فيذهب في ذلك من لم يكن، ويبقى من لم يزل ".

ويقول الإمام الواسطي عن المشاهدة : " إنها مشارفة العبد ولوج قلبه ملكوت السماء، والمكافحة بصريح الحق وعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين... كما لا ينضبط ما يبادي به الحق عز وجل عباده وأهل ولايته... ".
وفى نفس المعنى يقول القشيري: " لم يزد في بيان تحقيق المشاهدة أحد على ما قاله عمرو بن عثمان المكي (رحمه الله)، ومعنى ما قاله: إنه تتوالى أنوار التجلي على قلب المريد من غير أن يتخللها ستر وانقطاع كما لو قدِّر اتصال البروق، فكما أن الليلة الظلماء بتوالي البروق فيها واتصالها إذا قدرت تصير في ضوء النهار، فكذلك القلب إذا دام به دوام التجلي مَتَعفلا ليل ".
أقسام ثمرة المشاهدة :
يقسِّم الواسطي (رحمه الله) ثمرات المشاهدة إلى ثلاثة أقسام تتضح في قوله:
" يقتضى ترتيب المشاهدة على مقتضى الترتيب العلمي ثلاثة أقسام : معرفة الله تعالى في أفعاله، ومعرفته في صفاته، ومعرفته به عز وجل :
الأول : أن يفتح للقلب التفكر في نِعَم الله تعالى وآلائه وصنائعه وصنعه وخلقه وأمره... فإذا استغرقت فكرته في هذا بدا على سرِّه نور المعرفة بواسطة الأفعال؛ فيسمى هذا معرفة الله عز وجل بأفعاله، وهو فوق الإيمان به.. .
الثاني : معرفة الصفات؛ وذلك ينكشف أيضًا على فضاء القلب عند تأمل الشريعة والتلاوة للوحي الإلهي... فإذا استغرق القلب في ذلك وغاب في تلك المعاني بدا على القلب مشهد الفوقية؛ فيوقن حينئذ بأن هذا الوحي نزل من عند الله يسمى مشهد الربوبية؛ ثم يرجى أن ينكشف للقلب مشهد المعية، يقول تعالى:" وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ "، فيشهد إحاطة الرب العظيم بخلقه، وبعلمه، وسمعه، وبصره، وقربه منهم، وهذا يسمى مشهد المعية .
الثالث: المعرفة الكلية الجامعة بجميع معاني الأسماء والصفات، وهو مشهد الجمع؛ ويجتمع للعبد فيه المتفرقات والمشاهد ... ".
وعندما يتم للعبد هذه الأقسام الثلاثة السابقة بعد سيره إلى معرفة الحق تعالى والقرب منه يصير في النهاية بين يديه؛ فيتولاه سبحانه وتعالى تولية كاملة في كل
أموره وشئونه وأحواله؛ حتى يصبح ربُّ العزة تعالى – كما ورد في الحديث القدسي– بمثابة يد العبد التي يبطش بها، وسمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به .

وأهل المشاهدة – عند السراج الطوسي – على ثلاثة أحوال :
 الأول منها: الأصاغر، وهم المريدون، وهو ما قاله أبو بكر الواسطي (رحمه الله) : يشاهدون الأشياء بعين العبر، ويشاهدونها بأعين الفكر .

والحال الثاني من المشاهدة: الأوساط، وهو الذي أشار إليه أبو سعيد الخراز، (رحمه الله)، حيث يقول : الخلق في قبضة الحق وفى ملكه، فإذا وقعت المشاهدة فيما بين الله وبين العبد لا يبقى في سرِّه، ولا همِّه غير الله تعالى .

والحال الثالث من المشاهدة: ما أشار إليه عمرو بن عثمان المكي، (رحمه الله)، في كتاب المشاهدة، فقال : إن قلوب العارفين شاهدت الله مشاهدة تثبيت؛ فشاهدوه بكل شيء، وشاهدوا كل الكائنات به، فكانت مشاهدتهم لديه ولهم به، فكانوا غائبين حاضرين، وحاضرين غائبين، على انفراد الحق في الغيبة والحضور؛ فشاهدوه ظاهرًا وباطنًا، وباطنًا وظاهرًا، وآخرًا وأولاً، وأولاً وآخرًا ... ".

ويصف الإمام الواسطي العبد المريد بعد وصوله إلى ما يبغي، وحصوله على ثمرات سيره وسلوكه في طريق الحق سبحانه وتعالى " إنه انتهى سيره وسلوكه واتصل قلبه بالله عز وجل اتصالاً لا انفصام له، واتصل ظاهره بالنسبة والمتابعة اتصالاً لا انفصام له، وذلك هو حقيقة المتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها من الله تعالى ولا من رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فيرث العبد قسطًا من حال الرسول صلى الله عليه وسلم الباطن كما ورث قسطًا من علمه الظاهر؛ فتكمل بذلك فطرته بجميع أجزائها، وتنور بجميع أرجائها، فلمثل ذلك فليعمل العاملون، وعلى ذلك فليتنافس المتنافسون ".

وعلى قدرالمجاهدة تكون المشاهدة ، فمن لا مجاهدة له لا مشاهدة له . وبالمجاهدة تميزت الخصوص من العموم ، وبها تحقق سير السائرين ، فالعموم وقفوا مع موافقة حظوظهم؛ من الجاه والغنى وغيره والخصوص خالفوا نفوسهم ورفضوا حظوظهم ، وخرقوا عوائدهم ، فخرقت لهم العوائد ، وانكشفت عنهم الحجب ، وشاهدوا المحبوب . فجاهدوا أولا في ترك الدنيا ، وتحملوا مرارة الفقر ، حتى تحققوا بمقام التوكل ، ثم جاهدوا في ترك الجاه والرئاسة ، فتحققوا بالخمول ، وهو أساس الإخلاص ، ثم جاهدوا في مخالفة النفس ، فحملوها كل ما يثقل عليها ، وأخرجوها من كل ما تهواه ويخف عليها ، وارتكبوا في ذلك أهوالا وأحوالا صعابا ، حتى ماتت نفوسهم موتات ، فتحقق بذلك حياة أرواحهم ، وأشرفت على البحر الزاخر ، بحر التوحيد الخاص ، فغابت ظلال الأكوان حين أشرقت شمس العيان ، ففني من لم يكن ، وبقي من لم يزل ، فدخلوا جنة المعارف ، ولم يشتاقوا قط إلى جنة الزخارف؛ لأنها منطوية فيها . ولا بد من صحبة شيخ كامل ، قد سلك هذه المسالك ، يلقيه زمام نفسه ، حتى يوصله إلى ربه ، وإلا أتعب نفسه بلا فائدة .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق