نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مصادر التصوف

يقول الدكتور عبد الحليم محمود : يحاول المستشرقون ، وغيرهم من الذين يكتبون في التصوف الإسلامي ، رد الحياة الروحية الصوفية في الإسلام إلى مصدر أجنبي بحت ، هندي ، أو يوناني .. الخ ، أو إلى عدة مصادر ، منها القرآن ، أو حياة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم.

لقد وقف الكاتبون من التصوف موقفهم من الثقافة الكسبية ، والثقافة الكسبية يأتي فيها التأثر ، والتطور ، والتقليد ، فالكاتب ، أو الشاعر ، أو المفكر على وجه العموم ، الذي يستمد ثقافته من البيئة الخارجية ، يتلون ويتشكل بما يقرأ ، وبما يدور حوله ، وبما يتشربه من بيئته ، ونتائجه ، إذن : إنما هو أثر لما دخل من البيئة الخارجية ، اللهم إلا إذا كانت له أصالته التي تسمو به عن أن يكون صدى للوسط الذي يعيش فيه . ولكن التصوف والصوفية ليسا من هذا الوادي . 

وإذا أردنا أن نتحدث في تحديد ودقة ، فإنا نرى أن المشكلة التي نحن بصددها تتفرع إلى أمرين : الاتجاه إلى الحياة الصوفية ، أو النـزعة إلى سلوك الطريق الصوفي . 
أما فيما يتعلق بالاتجاه نحو السلوك الصوفي ، فله مؤثراته الداخلية البحتة ، وهي مؤثرات تتصل بالفرد من الناحية الداخلية أكثر من أن تتصل بعامل خارجي ، لا بد إذن من أن يكون الاستعداد الشخصي الفردي الفطري موجوداً مهيئاً ، ويكفي لأن يسلك عملياً هذا الطريق : كلمة ، أو فكرة ، أو إشارة ، أو حادثة من الحوادث ، فيأخذ فعلاً في سيره نحو الله تعالى وَقالَ إِنّي ذاهِبٌ إِلى رَبّي (الصافات:99). 
هذا العزم المصمم ، الذي يتمثل في هذه الكلمة الكريمة ، لا بد له من الاستعداد الفطري ، الذي لا يغنى عنه فلسفة أفلاطونية ، ولا فيدانتا هندية ، ولا زراد شتية فارسية . 

وقد يكون المتجه إلى التصوف قارئاً للأفلاطونية الحديثة ، أو لا يكون ، وقد يكون على علم بعقائد الهند ، أو لا يكون ، فالمتخصص في الأفلاطونية الحديثة لا يفيده تخصصه هذا – لا ولا قلامة ظفر – في أن يكون صوفياً . وكذلك الأمر في المتخصص في عقائد الهند . 
وقد قرأ الإمام الغزالي كتب الصوفية أنفسهم ، ويحدثنا بذلك ، فيقول : « فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم ، مثل ( قوت القلوب ) لأبي طالب المكي رضي الله عنه وكتب الحارث المحاسبي ، المتفرقات المأثورة عن الجنيد ، والشبلي ، وأبي يزيد البسطامي قدس سره وغير ذلك من كلام مشايخهم ، حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية ، وحصلت ما يمكن أن يحصل عن طريقهم بالتعليم والسماع » . 
ولكن ذلك لم يجعل منه صوفياً ، ولم يكن الإمام الغزالي بهذه الكتب ولا بمطالعته لفلسفة اليونان ودراسته لها دراسة عميقة صوفياً ، ولكنه تبين أن أخص خواصهم – على حد تعبيره – ما لا يمكن الوصول إليه بالتعليم بل بالذوق والحال ، وتبدل الصفات . 
وليس التصوف إذن ثقافة كسبية تتأثر بهذا الاتجاه أو ذاك ، وإنما هو ذوق ومشاهدة ، يصل الإنسان إليهما عن طريق الخلوة ، والرياضة ، والمجاهدة ، والاشتياق بتزكية النفس ، وتهذيب الأخلاق ، وتصفية القلب لذكر الله تعالى … وهذا هو جوهر الشعور الصوفي . 

أخص خصائص التصوف : شعور لا يمكن التعبير عنه ، فإن الإنسان يصل فيه إلى درجات يضيق عنها نطاق الكتابة ، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها ، إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح ، لا يمكنه الاحتراز عنه . 
والذي لابسته تلك الحالة – على حد تعبير الإمام الغزالي – لا ينبغي أن يزيد على أن يقول : وكان ما كان مما لست أذكـره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبـر. 
المشاهد الصوفية إذن ، ليست ثقافة كسبية ، وإذن لا يتأتى التحدث عن مصادرها الخارجية – أياً كانت هذه المصادر - ووضع المسألة – مسألة مصادر التصوف – إذن موضع البحث،والنظر،والدراسة: إنما هو وضع خطأ ، لا يفعله ، ولا يقوم به إلا من لا يفهم التصوف ولم يسهم في تذوقه بقليل ولا بكثير . 
والنتيجة التي نريد أن ننتهي إليها إذن هي : أن الاتجاه نحو التصوف ، والنـزوع إليه إنما هو فطرة واستعدا.
أما الذوق الصوفي ، والمعرفة الصوفية فإنها استمداد من مصدر النور والهداية .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق