آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الحكم العطائية ( 2 ) :إرادتُكَ التجريدَ مع إقامةِ الله إِيَّاكَ في الأسباب من الشَّهوة الخفيةِ .

{إرادَتُكَ التَّجْريدَ مَعَ إقامَةِ اللهِ إيّاكَ في الأسْبابِ مِنَ الشَّهْوَةِ الخَفيَّةِ، وإرادَتُكَ الأَسْبابَ مَعَ إقامَةِ اللهِ إيّاكَ فِي التَّجْريدِ انْحِطاطٌ عَنِ الهِمَّةِ العَلِيَّةِ}. 

الأسباب هاهنا عبارة عما يُتَوصَّلُ به الى غرض ما ينال في الدنيا،والتجريد عبارة عن عدم تشاغله بتلك الأسباب،لأجل ذلك فمن أقامه الحق تعالى في الأسباب فأراد الخروج منها،فذلك من شهوته الخفية،وإنما كانت من الشهوة لعدم وقوفه مع مراد الله تعالى، وإرادته خلاف ذلك،وإنما كانت خفية،لأنه لم يقصد بذلك حظ عاجل ، وإنما قصد بذلك التقرب إلى الله تعالى بكونه على حال هي أعلى بزعمه،ولكن فاته الأدب بعدم وقوفه مع مراد الله تعالى من إقامته إياه فيما أقامه فيه وتطلعه الى مقام رفيع ، لا يليق به في الوقت، وعلامة إقامته إياه في الأسباب ان يدوم له ذلك ، وأن تحصل له ثمرته ونتيجته،وذلك بأن يجد عند تشاغله بالأسباب سلامة في دينه ، وقطعا لمطمعه عن غيره،وحسن نيته في صلة الرحم اوإعانة فقير مُعْدَم ، إلى غير ذلك من فوائد المال المتعلقة بالدين ، ومن اقامه الحق تعالى في التجريد،وأراد الخروج منه الى الأسباب فذلك من انحطاط همته،وسوء أدبه، وكان واقفا مع شهوته الجلية ، لأن التجريد مقام رفيع،أقام الحق فيه خواص عباده من الموحدين والعارفين. فإذا أقامه الحق تعالى في مقام الخواص فَلِمَ ينحط عن رتبتهم الى منازل أهل الانتقاص ؟ 

قال الشيخ عبد الله القرشي رضي لله عنه : من لم يأنف من مشاركة الأضداد في الأسباب فهو خسيس الهمة ، وعلامة اقامته إياه في التجريد ما ذ كرناه من الدوام،ووجدان الثمرة، ومن ثمرات ذ لك طيب وقت المتجرد ، وصفاء قلبه،ووجدان راحته من ملابسة الخلق ومخالطتهم ، والهمة حالة للقلب،وهي قوة ارادة وغلبة انبعاث الى نيل مقصود ما،وتكون عالية ان تعلقت بمعالي الامور، وسافلة ان تعلقت بأدانيها. 

وما ذكرته في معاني الإقامة في نوعي الأسباب والتجريد هو شىء فهمته مما يقوله بعد هذا: من علامة إقامة الحق لك في الشئ ادامته اياك فيه ، مع حصول النتائج والله اعلم. 
وقد ذكر هذه المسألة في التنوير بنصها حاكيا عن هذا الكتاب ، وقال بأثره:وافهم رحمك الله ان من شأن العدو ان يأتيك فيما أنت فيه مما أقامك الله فيحقره عندك يتطلب غير ما أقامك الله فيه ، فيشوش عليك قلبك،ويكدر وقتك،وذلك ان يأتي للمتسببين فيقول لهم : لو تركتم الأسباب ، وتجردتم لأشرقت لكم الأنوار، ولصفت منكم القلوب والأسرار، وكذلك يأتي المتجردين ، ويقول لهم : إلى متى تتركون الأسباب ؟ ألم تعلموا ان ترك الأسباب تتطلع معه القلوب الى ما في ايدي الناس ويفتح باب الطمع. 

وانما قصد الشيطان بذلك أن يمنع العباد الرضا عن الله تعالى فيما هم فيه ، وان يخرجهم عن مختار الله لهم الى مختارهم لانفسهم ، وما أدخلك الله فيه تولى اعانتك عليه ، وما دخلت فيه بنفسك وكلك اليه " وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً". والمدخل الصدق أن تدخل فيه لا بنفسك ، والمخرج الصدق أيضا كدلك فافهم. والذ ي يقتضيه الحق منك ان تمكث حيث أقامك،حتى يكون الحق سبحانه هو الذي تولى إخراجك كما تولى إدخالك ، وليس الشأن ان تترك السبب بل الشأن ان يتركك السبب. 

** ** ** 
غيث المواهب العلية في شرح الحكم

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية