آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

معرفة مقام المعرفة_الفتوحات المكية.


http://www.atariqa.com/2016/12/Al-Futuhat-al-Makkiyah-Al-Maarifa.html

[أن المعرفة نعت إلهي و هي أحدية المكانة لا تطلب إلا الواحد] 

اعلم أن المعرفة نعت إلهي لا عين لها في الأسماء الإلهية من لفظها و هي أحدية المكانة لا تطلب إلا الواحد و المعرفة عند القوم محجة فكل علم لا يحصل إلا عن عمل و تقوى و سلوك فهو معرفة لأنه عن كشف محقق لا تدخله الشبه بخلاف العلم الحاصل عن النظر الفكري لا يسلم أبدا من دخول الشبه عليه و الحيرة فيه و القدح في الأمر الموصل إليه.

[لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياء بذاته] 

و اعلم أنه لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياء بذاته و كل من عرف شيئا بأمر زائد على ذاته فهو مقلد لذلك الزائد فيما أعطاه و ما في الوجود من علم الأشياء بذاته إلا واحد و كل ما سوى ذلك الواحد فعلمه بالأشياء و غير الأشياء تقليد و إذا ثبت أنه لا يصح فيما سوى اللّٰه العلم بشيء إلا عن تقليد فلنقلد اللّٰه و لا سيما في العلم به و إنما قلنا لا يصح العلم بأمر ما فيما سوى اللّٰه إلا بالتقليد فإن الإنسان لا يعلم شيئا إلا بقوة ما من قواه التي أعطاه اللّٰه و هي الحواس و العقل فالإنسان لا بد أن يقلد حسه فيما يعطيه و قد يغلط و قد يوافق الأمر على ما هو عليه في نفسه أو يقلد عقله فيما يعطيه من ضرورة أو نظر و العقل يقلد الفكر و منه صحيح و فاسد فيكون علمه بالأمور بالاتفاق فما ثم إلا تقليد و إذا كان الأمر على ما قلناه فينبغي للعاقل إذا أراد أن يعرف اللّٰه فليقلده فيما أخبر به عن نفسه في كتبه و على ألسنة رسله و إذا أراد أن يعرف الأشياء فلا يعرفها بما تعطيه قواه و ليسع بكثرة الطاعات حتى يكون الحق سمعه و بصره و جميع قواه فيعرف الأمور كلها بالله و يعرف اللّٰه بالله إذ و لا بد من التقليد و إذا عرفت اللّٰه بالله و الأمور كلها بالله لم يدخل عليك في ذلك جهل و لا شبهة و لا شك و لا ريب فقد نبهتك على أمر ما طرق سمعك فإن العقلاء من أهل النظر يتخيلون أنهم علماء بما أعطاهم النظر و الحس و العقل و هم في مقام التقليد لهم و ما من قوة إلا و لها غلط قد علموه و مع هذا غالطوا أنفسهم و فرقوا بين ما يغلط فيه الحس و العقل و الفكر و بين ما لا يغلط فيه و ما يدريهم لعل الذي جعلوه غلطا يكون صحيحا و لا مزيل لهذا الداء العضال إلا من يكون علمه بكل معلوم بالله لا بغيره و هو سبحانه عالم بذاته لا بأمر زائد فلا بد أن تكون أنت عالما بما يعلمه به سبحانه لأنك قلدت من يعلم و لا يجهل و لا يقلد في علمه و كل من يقلد سوى اللّٰه فإنه قلد من يدخله الغلط و تكون إصابته بالاتفاق فإن قيل لنا و من أين علمت هذا و ربما دخل لك الغلط و ما تشعر به في هذه التقسيمات و أنت فيها مقلد لمن يغلط و هو العقل و الفكر قلنا صدقت و لكن لما لم نر إلا التقليد ترجح عندنا أن نقلد هذا المسمى برسول و المسمى بأنه كلام اللّٰه و علمنا عليه تقليدا حتى كان الحق سمعنا و بصرنا فعلمنا الأشياء بالله و عرفنا هذه التقاسيم بالله فكان إصابتنا في تقليد هذا بالاتفاق لأنا قلنا مهما أصاب العقل أو شيء من القوي أمرا ما على ما هو عليه في نفسه إنما يكون بالاتفاق فما قلنا إنه يخطئ في كل حال و إنما قلنا لا نعلم خطأه من إصابته فلما كان الحق جميع قواه و علم الأمور بالله عند ذلك علم الإصابة في القوي من الغلط و هذا الذي ذهبنا إليه ما يقدر أحد على إنكاره فإنه يجده من نفسه فإذا تقرر هذا فاشتغل بامتثال ما أمرك اللّٰه به من العمل بطاعته و مراقبة قلبك فيما يخطر فيه و الحياء من اللّٰه و الوقوف عند حدوده و الانفراد به و إيثار جنابه حتى يكون الحق جميع قواك فتكون على بصيرة من أمرك و قد نصحتك إذ قد رأينا الحق أخبر عن نفسه بأمور تردها الأدلة العقلية و الأفكار الصحيحة مع إقامة أدلتها على تصديق المخبر و لزوم الايمان بها فقلد ربك إذ و لا بد من التقليد و لا تقلد عقلك في تأويله فإن عقلك قد أجمع معك على التقليد بصحة هذا القول أنه عن اللّٰه فما لك منازع منك يقدح فيما عندك فلا تقلد عقلك في التأويل و اصرف علمه إلى اللّٰه قائله ثم اعمل حتى تنزل في العلم به كهو فحينئذ تكون عارفا و تلك المعرفة المطلوبة و العلم الصحيح الذي لاٰ يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ و بعد أن تقرر هذا فلنرجع إلى الطريقة المعهودة في هذا الباب التي بأيدي الناس من أهله فإن هذه الطريقة التي نبهناك عليها طريقة غريبة فنقول إن المحاسبي ذكر أن المعرفة هي العلم بأربعة أشياء اللّٰه و النفس و الدنيا و الشيطان و الذي قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلم إن المعرفة بالله ما لها طريق إلا المعرفة بالنفس.
فقال:" من عرف نفسه عرف ربه" وقال:" أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه" فجعلك دليلا أي جعل معرفتك بك دليلا على معرفتك به فأما بطريقة ما وصفك بما وصف به نفسه من ذات و صفات و جعله إياك خليفة نائبا عنه في أرضه و إما بما أنت عليه من الافتقار إليه في وجودك و أما الأمران معا لا بد من ذلك و رأينا اللّٰه يقول في العلم بالله المعبر عنه بالمعرفة سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ فأحالنا الحق على الآفاق و هو ما خرج عنا و على أنفسنا و هو ما نحن عليه و به فإذا وقفنا على الأمرين معا حينئذ عرفناه و تبين لنا أنه الحق فدلالة اللّٰه أتم و ذلك إنا إذا نظرنا في نفوسنا ابتداء لم نعلم هل يعطي النظر فيما خرج عنا من العالم و هو قوله فِي الْآفٰاقِ علما بالله ما لا تعطيه نفوسنا أو كل شيء في نفوسنا فإذا نظرنا في نفوسنا حصل لنا من العلم به ما يحصل للناظر في الآفاق فأما الشارع فعلم إن النفس جامعة لحقائق العالم فجمعك عليك حرصا منه كما قال فيه حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ حتى تقرب الدلالة فتفوز معجلا بالعلم بالله فتسعد به و أما الحق فذكر الآفاق حذرا عليك مما ذكرناه أن تتخيل أنه قد بقي في الآفاق ما يعطي من العلم بالله ما لا تعطيه نفسك فأحالك على الآفاق فإذا عرفت عين الدلالة منه على اللّٰه نظرت في نفسك فوجدت ذلك بعينه الذي أعطاك النظر في الآفاق أعطاك النظر في نفسك من العلم بالله فلم تبق لك شبهة تدخل عليك لأنه ما ثم إلا اللّٰه و أنت و ما خرج عنك و هو العالم ثم علمك كيف تنظر في العالم فقال أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ... أَ فَلاٰ يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الآية أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ و كل آية طلب منك فيها النظر في الآيات كما قال إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و يَتَفَكَّرُونَ و يَسْمَعُونَ و يَفْقَهُونَ و لِلْعٰالِمِينَ و لِلْمُؤْمِنِينَ و لِأُولِي النُّهىٰ و لِأُولِي الْأَلْبٰابِ لما علم أنه سبحانه خلق الخلق أطوارا فعدد الطرق الموصلة إلى العلم به إذ كل طور لا يتعدى منزلته بما ركب اللّٰه فيه فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أحالك إلا على نفسك لما علم أنه سيكون الحق قواك فتعلمه به لا بغيره فإنه العزيز و العزيز هو المنيع الحمى و من ظفر به غيره فليس بمنيع الحمى فليس بعزيز فلهذا كان الحق قواك فإذا علمته و ظفرت به يكون ما علمه و لا ظفر به إلا هو فلا يزول عنه نعت العزة و هكذا هو الأمر فقد سد باب العلم به إلا منه و لا بد و لهذا ينزهه العقل و يرفع المناسبة من جميع الوجوه و يجيء الحق فيصدقه في ذلك ب‌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ يقول لنا صدق العقل فإنه أعطى ما في قوته لا يعلم غير ذلك فإني أعطيت كل شيء خلقه و العقل من جملة الأشياء فقد أعطيناه خلقه و تمم الآية فقال ثُمَّ هَدىٰ أي بين فبين سبحانه أمرا لم يعطه العقل و لا قوة من القوي فذكر لنفسه أحكاما هو عليها لا يقبلها العقل إلا إيمانا أو بتأويل يردها تحت إحاطته لا بد من ذلك فطريقة السلامة لمن لم يكن على بصيرة من اللّٰه أن لا يتأول و يسلم ذلك إلى اللّٰه على علمه فيه هذه طريقة النجاة فالحق سبحانه يصدق كل قوة فيما تعطيه فإنها وفت بجميع ما أعطاها اللّٰه و بقي للحق من جانب الحق ذوق آخر يعلمه أهل اللّٰه و هم أهل القرآن أهل اللّٰه و خاصته فيعتقدون فيه كل معتقد إذ لا يخلو منه تعالى وجه في كل شيء هو حق ذلك الوجه و لو لم يكن الأمر كذلك ما كان إلها و لكان العالم يستقل بنفسه دونه و هذا محال فخلو وجه الحق عن شيء من العالم محال و هذه المعرفة عزيزة المنال فإنها تؤدي إلى رفع الخطاء المطلق في العالم و لا يرتفع الخطاء الإضافي و هو المنسوب إلى مقابله فهو خطأ بالتقابل و ليس بخطإ مع عدم التقابل فالكامل من أهل اللّٰه من نظر في كل أمر على حدة حتى يرى خلقه الذي أعطاه اللّٰه و وفاه إياه ثم يرى ما بين اللّٰه لعباده مما خرج عن خلق كل شيء فينزل موضع البيان من قوله ثُمَّ هَدىٰ موضعه و ينزل كل خلق على ما أعطاه خالقه فمثل هذا لا يخطئ و لا يخطئ بإطلاق في الأصول و الفروع فكل مجتهد مصيب إن عقلت في الأصول و الفروع و قد قيل بذلك و بعد أن تقرر ما ذكرناه فلنقل إن المعرفة في طريقنا عندنا لما نظرنا في ذلك فوجدناها منحصرة في العلم بسبعة أشياء و هو الطريق التي سلكت عليه الخاصة من عباد اللّٰه الواحد علم الحقائق و هو العلم بالأسماء الإلهية الثاني العلم بتجلى الحق في الأشياء الثالث العلم بخطاب الحق عباده المكلفين بالسنة الشرائع الرابع علم الكمال و النقص في الوجود الخامس علم الإنسان نفسه من جهة حقائقه السادس علم الخيال و عالمه المتصل و المنفصل السابع علم الأدوية و العلل فمن عرف هذه السبع المسائل فقد حصل المسمى معرفة و يندرج في هذا ما قاله المحاسبي و غيره في المعرفة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق