نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

البلاء من الله للمؤمنين


سئل الحارث ، فقيل له : رحمك الله ، البلاء من الله للمؤمنين كيف سببه ؟ قال : البلاء على ثلاث جهات : على المخلطين نقم وعقوبات ، وعلى المستأنفين تمحيص الجنايات ، وعلى العارفين من طريق الاختبارات ، فقيل له : صف تفاوتهم فيما تعبدوا به ، قال : أما المخلطون فذهب الجزع بقلوبهم ، وأسرتهم الغفلة ، فوقعوا في السخط ، وأما المستأنفون فأقاموا لله بالصبر في مواطن البلاء حتى تخلصوا ونجوا منه بعد مكابدة ومؤنة ، وأما العارفون فتلقوا البلاء بالرضا عن الله - عز وجل - فيما قضى ، وعلموا أن الله عدل في القضاء فسروا بحلول المكروه لمعرفة عواقب اختيار الله لهم ، قيل له : فما معنى هذه الآية ؟ : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) أو لم يعلم ؟ قال : بلى قد علم ما يكون قبل أن يكون ، ولكن معنى قوله : ( حتى نعلم ) حتى نرى المجاهدين في جهادهم والصابرين في صبرهم ، وقد روي أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل : إني لحفي بالمريدين لي ، وإن بعيني ما تحمل المتحملون من أجلي ، وما يكابد المكابدون في طلب رضائي ، أتراني أضيع لهم عملا ، أو أنسى لهم أثرا ؟ كيف وأنا ذو الجود أجود بفضلي على المولين عني ، فكيف بالمقبلين إلي ؟ قيل : رحمك الله ما الذي أفاد قلوب العارفين وأهل العقل عنه في مخاطبة الآية ؟ قال : تلقوا المخاطبة من الله بقوة الفهم عن الله حتى كأنهم يسمعون منه وأنه أقرب إليهم في وقت البلاء من أنفسهم إلى أبدانهم ، فعلموا أنهم بعينه فقووا على إقامة الصبر والرضا في حالة المحن إذ كانوا بعين الله ، والله تعالى يراهم ، فحين أسقطوا عن قلوبهم الاختيار والتملك باحتيال قوة ، ولجوا إليه وطرحوا الكنف بين يديه ، واستبسلت جوارحهم في رق عبوديته بين يدي مليك مقتدر ، فشال عند ذلك صرعتهم ، وأقال عثرتهم ، وأحاطهم من دواعي الفتور ، ومن عارض خيانة الجزع ، وأدخلهم في سرادق حسن الإحاطة من ملمات العدو ونزعاته وتسويله وغروره ، فأسعفهم بمواد الصبر منه ، ومنحهم حسن المعرفة والتفويض ، ففوضوا أمورهم إليه ، وألجئوا إليه همومهم ، واستندوا بوثيق حصن النجاة رجاء روح نسيم الكفاية ، وطيب عيش الطمأنينة ، وهدوء سكون الثقة ، ومنتهى سرور تواتر معونات المحنة ، وعظيم جسيم قدر الفائدة ، وزيادات قدر البصيرة ، وعلموا أنه قد علم منهم مكنون سرهم ، وخفي مرادهم ، ويكون ما حصل في القلوب من يقينهم ، وما أشارت إليه في بواطن أوهامها ، وسر غيبها ، فعظم منهم حرص الطلب ، وغاب منهم مكامن فتور الجد لمعرفة المعذرة فيهم ، فهؤلاء في مقامات حسن المعرفة وحالات اتساع الهداية ، وحسن بهاء البصيرة ، فاعتزوا بعزة الاعتماد على الله ، فقال له السائل : حسبي رحمك الله ، فقد عرفتني ما لم أكن أعرف ، وبصرتني ما لم أكن أبصر ، وكشفت عن قلبي ظلمة الجهل بنور العلم ، وفائدة الفهم ، وزيادات اليقين ، وثبتني في مقامي ، وزدتني في قدر رغبتي ، وروحتني من ضيق خاطري ، فأرشدك الله إلى سبيل النجاة ، ووفقك للصواب بمنه ورأفته ، إنه ولي حميد " .

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق