آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كُنْهُ مَا لا بُدَّ لِلمُريدِ مِنْهُ/ابن عربي

كُنْهُ مَا لا بُدَّ لِلمُريدِ مِنْهُ

قال الشيخ الأكبر والنور الأبهر والكبريت الأحمر محيي الدين [أبو عبد الله] محمد بن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي رضي الله عنه، آمين.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين.
سألت أيها المريد عن كنه ما لا بد للمريد منه، فأجبتك في هذه الأوراق، والله الموفق لا رب غيره.

 العمل بمقتضى الإيمان:

اعلم أيها المريد، وفقك الله وإيّانا لطاعته واستعملك وإيّانا بما يرضيه، أن القرب من الله لا يُعلم إلا بتعريفه إيّانا بذلك، وقد فعل ذلك، ولله الحمد والشكر، فأرسل الرُّسل وأنزل الكتب وأوضح السُّبل الموصلة إلى السعادة الأبدية، فآمنا وصدّقنا، وما بقي إلا استعمال ما وقع به الإيمان من الأعمال وتقرر في نفوس المؤمنين من وضع الشرع في محله.

 التوحيد والتنزيه:

ثم يجب عليك أيها المريد توحيد خالقك وتنزيهه عن ما لا يجوز عليه سبحانه وتعالى.
فأما توحيده، فلو كان ثم إله ثان مع الله لامتنع وقوع الفعل من الإلهين لاختلاف الإرادات وجودا وتقديرا وفسد النظام وذلك قوله تعالى: { لَوْ كَانَ فِيْهِمَا آلهَةٌ إِلاّ اللهُ لَفَسَدَتَا (22)}، [سورة الأنبياء].
ولا تسل يا أخي: بمن أشرك؟
ولا تحتاج إلى إقامة دليل على الوحدانية والأحدية، فإن المشرك قد أثبت وجود الحق تعالى معك وزاد عليك بالشريك فعليه الدليل على ما زاد.
ويكفيك هذا في التوحيد فإن الوقت عزيز والعقد سالم.
والمخالِف لا عين له موجودة، والحمد لله.
وأما تنزيهه، فهو آكد عليك من أجل المشبّهةِ والمجسّمةِ الظاهرين في هذا الزمان، فاعقد على قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)}،[سورة الشورى]، وحسبك هذا. فكل وصف يناقض هذه الآية مردود، ولا تزد ولا تبرح من هذا الموطن. لذلك جاء في السنة: كان الله ولا شيء معه، […]، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وكل آية وحديث يوهم التشبيه مما يعطيه كلام العرب، أو كلام من أنزل عليه بشيء من الوحي والتبليغ فيجب عليك الإيمان به على حد ما يعلمه الله تعالى، وما أنزله، لا على ما تتوهمه واصرف علم ذلك إلى الله. ليس بعد: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)}،[سورة الشورى]، وما ينزهه منزه إذ قد نزه نفسه بنفسه، وهو أنزه ما ينبغي له. إنه عز وجل أعظم وأجل مما علمت وجهلت.

الإيمان بالرسل:

ثم بعد ذلك، أيها المريد: يجب عليك الإيمان بالرسل، صلوات الله عليهم، وما جاءوا به، وما أخبروا عنه.

حب الصحابة:

ثم حب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
ولا سبيل بتجريحهم البتة، ولا الطعن فيهم، ولا تُفضّل أحدا منهم على الآخر، إلا بما فضّله ربه في كتابه العزيز، أو على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

 تعظيم أهل الطريق:

ويجب عليك تعظيم من عظم الله تعالى ورسوله، ثم التسليم لأهل هذه الطريق فيما يحكى عنهم من الحكايات، وكل ما ترى منهم –مما لا يسع العقل ولا العلم-.

حسن الظن:

وحسن الظن بالناس أجمعين، وسلامة الصدر، والدعاء للمؤمنين بظهر الغيب، وخدمة الفقراء برؤية الفضل لهم في ذلك حيث ارتضوك خديما لهم، وحمل كلفهم وأذاهم، وجفاهم، والصبر على أذاهم.

الصمت:

ومما لا بد منه الصمت إلا عن ذكر الله تعالى، (وتلاوة القرآن الكريم)، وإرشاد الضال، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح بين المتهاجرين، والتحريض على الصدقة، بل على كل خير.

الصحبة:

ومما لا بد منه: طلب شخص موافق، يعنك على ما أنت بصدده وسبيله فإن (المؤمن بأخيه). وإياك وصحبة الضد.

الشيخ المرشد:

ومما لا بد منه: شيخ مرشد، والصدق شعار المريد، لأنه إذا صدق مع الله تعالى: جعل كل شيطان في حقه ملكا، يرشده إلى الخير ويلهمه الخير، فإن الصدق هو: الإكسير الأعظم، ما وضع على شيء إلا قلب عينه.

 العمل:

ومما لا بد منه: البحث عن هذه اللقمة، فأساس هذا الطريق: اللقمة الحلال، عليها قام عماد هذا الطريق، ولا تثقل على أحد ولا تقبل من أحد، واحترف، وتورع في كسبك ونطقك ونظرك وسمعك، وفي جميع حركاتك.

 عدم الإسراف:

ولا توسع في ثوب ولا في مسكن، ولا في مأكل، فإن الحلال قليل: لا يحتمل السرف. واعلم أن النفوس إذا زرع الإنسان الشهوة بها: عسر قلبها بعد ذلك.
هذا كله لا بد منه.

الجوع:

ومما لا بد منه: قلة الطعام، فإن الجوع يورث النشاط في الطاعة، ويذهب الكسل.

تعمير الوقت:

وعليك بتعمير الأوقات في الليل والنهار.
فأما الساعات التي دعاك الشرع إليها: [إلى الوقوف بين يدي ربك]، وهي الخمسة الأوقات الواجبة عليك، وباقي ما بينها من الأوقات فإن كنت صاحب حرفة، فاجتهد أن تعمل فيها أياما مثل البتى بن هارون الرشيد رحمة الله تعالى عليه.
ولا تفارق مصلاك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ومن بعد صلاة العصر إلى غروبها، بذكر وخشوع وخضوع.
ولا يفوتك الوقوف مصليا من الظهر إلى العصر ومن المغرب إلى العشاء الأخيرة بعشرين ركعة.
وحافظ على أربع ركعات أول النهار وقبل الظهر وقبل العصر، وتجعل وترك ثلاثة عشر ركعة ولا تنم إلا عن غلبة، ولا تأكل إلا عن فاقة، ولا تلبس إلا عن وقاية من حر أو برد، بنية ستر العورة ودفع الأذى القاطع عن عبادة ربك.
وإن كنت ممن يعرف يكتب، فاجعل على نفسك وردا من القرآن في المصحف تمسكه في حجرك وتلقي يدك اليسرى تحت المصحف وتمشي بيدك اليمنى على حروفه وأنت تنظر وترفع صوتك، بحيث تسمع نفسك، وترتل القرآن، وتسأل في السورة التي توجب السؤال فيها، وتعتبر في الآية التي فيها الاعتبار، وتعامل في كل آية بما يليق بها، وما تدل عليه من تلك الصفات، وانظر ما عندك منها وما فقدت من ذلك فشكره على ما عندك. وما فاتك: حصله.
وإذا قرأت وصف المنافقين والكافرين، فانظر هل فيك من تلك الصفات شيء أم لا؟

 محاسبة النفس:

ومما لا بد منه: محاسبتك نفسك، ومراعاة خواطرك في الأوقات، ثم اشعر الحياء –من قلبك– من الله تعالى، فإنك إذا استحييت من الله منعت قلبك أن يخطر فيه خاطر يذمه الشرع، أو تتحرك بحركة لا يرتضيها الشرع.
ولقد كان لنا شيخ يقيد حركاته في صحيفة، ثم إذا جنه الليل وضعها بين يديه، ثم حاسب نفسه على ما فيها.
وزدت على شيخي بتقييد خواطري.

 مراعاة الخواطر:

ومما لا بد منه: مراعاة الخواطر والأوقات، بأن تنظر في الوقت الذي أنت فيه، وتنظر فيما قال لك الشرع أن تعمل فتعمل، فإن كنت في وقت فرض فأدّه، أو ندب فبادر إليه.
وإن كنت في وقت مباح فاشغل نفسك بما ندبك الحق إليه من الخير على أنواعه.
وإذا شرعت في مشروع يعطي قربة: لا تحدث نفسك أن تعيش بعده إلى عمل آخر، فاجعل ذلك آخر عمل من الدنيا: الذي تلقى به ربك.
فإذا فعلت هذا خلصت، ومع الخلاص يكون القبول.

البقاء على طهارة:

ومما لا بد منه: الجلوس على طهارة دائما، ومتى أحدثت توضأت، ومتى توضأت صليت، إلا أن يكون وقت كراهة نُهيت عن إيقاع الصلاة فيه، وهي ثلاثة أوقات: عند طلوع الشمس، إلى وقت استوائها، إلا يوم الجمعة، وبعد العصر إلى غروبها.

تهذيب الأخلاق:

ومما لا بد منه: البحث عن مكارم الأخلاق، وإتيانها: تُعيّن منها خلقا. كذلك سوء الأخلاق اجتنبها كلها. واعلم أن من ترك خلقا كريما، فإنه ذو خلق ذميم (يعني تركه).
واعلم أن الأخلاق على أصناف، كما هم الخلق على أقسام، فينبغي أن تعرف أي خلق تستعمله، والذي يعم أكثر الأصناف: إيصال الراحة إليهم، ودفع الأذى عنهم، لكن في رضاء الله تعالى.
واعلم أن الخلق عبيد مسخرون، مجبورون في حركاتهم، ونواصيهم بيد محركهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أراحنا في هذا المقام، قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، […].
فكل موضوع قال لك الشرع فيه: إن شئت أن تنصرف، وإن شئت تركت: اختر الترك.
أو قال لك: إن شئت جازيت، وإن شئت عفوت، فاجنح إلى العفو والصفح، وأجرك على الله تعالى.
وإياك أن تقتص لنفسك ممن أساء إليك، فإن الله تعالى سماها سيئة بالجملة، وإن كانت مما يسوء المقتص منه.
وكل موضع قال لك الشرع: اغضب، فإن لم تغضب فما هو خلق حميد، لأن الغضب لله تعالى من مكارم الأخلاق مع الله تعالى.
وطوبى لمن عامله وصحبه فسمع الله تعالى يقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم.

 العزلة:

ومما لا بد منه: مجانبة الأضداد، ومن ليس من جنسك، من غير أن تعتقد فيهم السوء، أو يخطر ذلك في خاطرك. ولكن: نية صحبة الحق تعالى وأهله وإيثاره عليهم.

 الشفقة بالناس والحيوانات:

كذلك فعامل هذه الحيوانات بالشفقة عليهم، والرحمة بهم، لأنهم ممن سخر الله سبحانه لك، فلا تحملهم فوق طاقتهم ولا تركب ما تركب منها بطرا.
وباشر كذلك ملك اليمين من الرقيق، لأنهم إخوانك، قد ملّكك الله نواصيهم ليرى كيف تتصرف فيهم، فأنت عبد له تعالى، فما تحب أن يفعله معك، كذلك بعينه افعل مع غلمانك وجواريك، فإن الله تعالى يجازيك، وما تحب أن يصرفه عنك من القبيح والسوء: ذلك بعينه افعله معهم، فالكل عيال الله، وأنت من جملة العيال.

 تربية الولد:

فإن كان لك ولد، فعلمه القرآن، لا لغرض من أغراض الدنيا.
وألزمه محافظة آداب الشريعة الإسلامية والأخلاق الدينية.
واحمله على الرفق والزهد من صغره كي يعتادها.
ولا تزرع الشهوة في قلبه.
وبغّض إليه زينة الحياة الدنيا وما يؤول صاحبها من نقص الحظ في الآخرة، وما يؤول إليه تاركها من جزيل العطاء في الآخرة.
ولا تعمل ذلك شحا على درهمك ومالك.

الابتعاد عن السلاطين:

ومما لا بد منه: أن لا تقترب من أبواب السلاطين، ولا تصاحب المتنافسين في الدنيا، فإنهم يأخذون بقلبك عن الله تعالى.
فإن اضطرك أمر إلى صحبتهم، فعاملهم بالنصيحة، ولا تغشهم، فإنك تعامل الحق سبحانه وتعالى.
ومهما فعلت سخروا منك في عموم أحوالك، فتوجه إلى الله في تخليصك مما أنت فيه، بما هو أحسن لك في دينك.

الحضور مع الله تعالى:

ومما لا بد منه: الحضور مع الله تعالى في جميع حركاتك وسكناتك.

الإنفاق:

وأوصيك بالإنفاق في السراء والضراء، والشدة والرخاء، فإن ذلك دليل على ثقة القلب بما عند الله تعالى، فإن البخيل جبان يأتيه الشيطان فيمد أمله، ويطيل عمره، ويقول له: إن أنفقت مالك هلكت وبقيت مثلة بين أقرانك وأصحابك، بلا شيء، فأمسك عليك، واستعد إلى نوائب الزمان، ولا تغتر بهذا الرخاءالذي أنت فيه، فما تدري ما يحدث الله في العام القابل.
وإن كانت أوقات شدة وضراء، فيقول لك: أمسك عليك شيئا فإنك لا تدري متى تنقضي هذه الشدة، ولعل هذا الأمر لا يزداد إلا صعوبة. واحفظ على نفسك فما أحد ينفعك إذا لم يبق معك شيء، وتتأخر وتثقل عن الخلق، وتذهب ماء وجهك.
فإذا استمرت هذه الوسوسة على قلب هذا المسكين، أدته إلى الشح والبخل، وحالت بينه وبين قوله تعالى: ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه.
وعندنا في هذا الطريق إذا التحق رجل بأهل الله تعالى، ثم بخل، فإنه يستبدل مكانه، وينزل عن ذلك المقام، من قوله تعال: { وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ }، [39، سورة سبأ].
وحال بينه وبين ……سقط…….. قوله تعالى: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم، فضيعوا فقراءهم فماتوا جوعا.
وحالت بينه وبين حال النبي صلى الله عليه وسلم: أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا، وبينه وبين قوله: إن لله ملكا في كل يوم ينادي عند الصباح: اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا.
وحالت بينه وبين حال النبي صلى الله عليه وسلم حين أعطي الكنزين فاختار تركهما على أخذهما، وبين حال أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجميع ماله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ قال الله ورسوله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قال: النصف وتصدقت بالنصف، قال ما بينكما كما بين كلمتيكما.
فالإنفاق سبب لاستجلاب الرزق من الرزاق، في الدنيا والآخرة.
فكل من أمسك فهو لله تعالى متهم، وعلى درهمه معتمد، وكانت ثقته بدرهمه أعظم من ثقته بربه.وهذا طعن بإيمانه، ونسأل الله تعالى العافية.
وعليك بالإنفاق في الشدة ولا تخف الفقر، فليس الرجل إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال بماله هكذا وهكذا، يمينا وشمالا، والله تعالى موف لك ما وعدك: شئت أم أبيت، شاء العالم أم أبى، فما هلك سخي قط.
ولولا قصدي الاختصار لسقنا من الأخبار ما يتأيد به ما ذكرنا.

 كظم الغيظ:

وعليك بكظم الغيظ، فإن دليل على سعة الصدر.
فإنك إذا كظمت غيظك: أرضيت الرحمن، وأسخطت الشيطان، وقمعت نفسك وردعتها حيث لم تنتصر لها، وأدخلت السرور على قلب من كظمت غيظك عنه ولم تجازه بفعله.
وكان ذلك سببا في رجوعه إلى الحق وإنصافه وإقراره بالجفاء عليك والتعدي.
وربما كان ندم على ما وقع منه.
فعليك بواقع القبول، فتخلق بذلك.
ثم الفائدة الكبرى، والفضيلة العظمى أنك إذا كظمت عن من فعل ذلك الغضب: جازاك الله تعالى على فعلك.
فأي فائدة أتم من عفوك عن أخيك وتحمل أذاه وكظم غيظك؟
وما أراد الحق أن تفعله مع عبد فقد أراد أن يفعله معك بعينه.
فاجتهد في هذه الصفات، فإنها تورث المودة في قلوب الناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالتودد والتحابب، وهذا من أعلى أسباب التي تؤدي إلى المحبة.

الإحسان والحياء:

وعليك بالإحسان، فهو دليل على الحياء له تعالى، وعلى تعظيم الله تعالى في قلب المحسن.
قال جبريل: ما الإحسان؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال عليه الصلاة والسلام: إن الحياء من الإيمان، و: الحياء خير كله.
فمن المحال أن يكون عند المؤمن شر، انتهى.

الذكر:

وعليك بلزوم الذكر والاستغفار، إن كان عقيب ذنب محاه وأزاله، وإن كان عقيب طاعة وإحسان، فنور على نور، وسرور على سرور، فإن الذكر أجمع للهم، وأصفى للخاطر.
فإن سئمت فانتقل إلى تلاوة كتاب الله مرتلا بتدبر وتفكر وتعظيم وتنزيه، وسؤال عند آية السؤال، وخوف وتضرع عند آية خوف ووعيد واعتبار، فإن القرآن لا يسأم قارؤه، لاختلاف المعاني فيه.

حل عقدة الإصرار:

وعليك بحل عقدة الإصرار من قلبك.
ولا تطيق ذلك إلا أن تقول لنفسك –في النفس الخارج- هل تدرين يا نفس أن النفس الآخر يأتيك، أم لا؟ فلعل –والله تعالى أعلم- ربما تموتين في هذا النفس، فإنه آخر أنفاسك في الدنيا وأنت مصرة على السوء.
عند الله تعالى للمصرين على الذنوب من العذاب ما لا تطيقه الجبال الشوامخ، كيف بضعيفة مثلك؟ فتوبي إلى الله تعالى، فإنك لا تدرين متى يفاجئك الموت، فإن الله تعالى يقول: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن.
وقال سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
وكم من شخص فجأه الموت وهو يأكل ويشرب وينكح، وهو نائم: تخرج روحه فلا يستيقظ.
وعظ نفسك بمثل هذا، فإنه متى كان مثل هذه وكثر انحلت عقد الإصرار.

تقوى الله تعالى:

وعليك بتقوى الله في السر والعلانية.
ومعنى التقوى، وهو: الحذر من عقابه، فإنه من خاف من عقابه بادر إلى الفعل الذي يرضي الله تعالى، والله تعالى يقول: ويحذركم الله نفسه. وقال: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
فالتقوى مشتق من الوقاية.
فاتق الله من فعل الله، كما قال: أعوذ بك منك.
فكل شيء تخافه وتخشاه، فاجتنب الطريق الموصلة إليه، فإن المعصية موصلة إلى الشقاوة.
والطاعة طريق موصلة إلى السعادة.

عدم الغرور:

وإياك والاغترار، فهو: أن تخدعك نفسك لكرم الله تعالى وحلمه، مع استمرارك على معصيته، ويخدعك إبليس لعنة الله عليه بأن يقول لك: لولا ذنبك ومخالفتك: من أين يظهر كرمه ورحمته وعفوه ومغفرته.
وهذا غاية الجهل من قائله.
[فإن كرمه ورحمته: استعين على طاعته] وحال بيني وبين معصيته ومخالفته.
ويقول لك: ما على المحسنين من سبيل، فإن الرحمة سبقت لهم من الله تعالى في الدنيا والآخرة.
فلا يغرك هذا الكلام، فقل له: أما كرمه ورحمته وما ذكرت منه كان.
صحيح أنه لولا المخالفة والذنوب لما ظهرت آثار هذه الصفات –على زعمك- والآثار والأخبار فيها صحيحة.
لكن -يا ملعون- تريد أن تغرني بكرم الله تعالى.
ومن أين أعلم أني ممن عفى عنه، أو يغفر له.
نعم: يلحق كرمه ورحمته ومغفرته وعفوه بمن شاء من عباده، كما يلحق عقوبته ونقمته بمن شاء من عصاته، وأنا لا أدري من أي الفريقين أنا عند فعلي هذا.
ولعل الله كما حرمني التوبة من المعصية هنا، يحرمني عفوه قبل دخولي النار، فينتقم مني.
ألا وإن الذنب يزيد الكفر، فلو علمت قطعا أني ممن يعفى عنه قطعا، ولا يؤخذ بذنب، ربما اغتررت بكلامك، وذلك حمق مني وجهل.
بل كان الواجب أن أبذل جهدي في طاعة الله، شكرا لله تعالى، وحياء منه، فإنه أولى من أستحي منه.
كيف وما بشرني على التعيين وما أمنني، بل تركني مهملا في معصيتي بين عفوه وعذابه.
كيف أغتر بزورك وبزور نفسي الأمارة بالسوء.

الورع:

وعليك بالورع، وهو اجتناب ما حاك في صدرك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. ولو لم تجد غيره وأنت محتاج إليه، واتركه لله يعوضك الله خيرا منه.
ولا تستعجل، فالورع أساس الدين، فإذا استعملته زكت أفعالك، ونجحت أحوالك، وكملت أقوالك، وسارعت إليك الكرامات، وكنت محفوظا في جميع أمورك، حفظا إلهيا لا شك فيه.
الله الله يا أخي.
الورع الورع.

الزهد:

وعليك بالزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها، بل اعدمها من قلبك جملة واحدة.
وإن كنت لا بد لا طالبا، فاقتصر على طلب القوت منها، من وجهه، فلا تنافس أبناءها، فإنها عرض لا يبقى، ولا ينال الراغب منها مراده أبدا.
والله تعالى لا يعطيه إلا قسم له.
والراغب فيها لا يزال كثير الحزن عليها، ممقوتا عند الله تعالى، فإن مثل الطالب لها كمثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا.
وحسبك من تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لها: بالجيفة والمزبلة.
وهل يجتمع على الجيفة والمزبلة إلا الكلاب؟
قال الله تعالى: يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك، وجاءك رزقك وأنت محمود، وإن لم ترض بما قسمت لك، أتعبت قلبك وبدنك، حتى تركض وراءها ركض الوحش في البرية، ثم وعزتي وجلالي لا ينالك منها إلا ما قدرت لك وأنت مذموم.
قال الله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة –وهي رجوعهم إلى أموالهم بالنظر فيها- وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
والحمد لله رب العالمين،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تمت بحمد الله وحسن عونه.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية