آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقامات وأحوال الصوفية : الصمت

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» 

عَنٍ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ
قال أبوعلي الدقاق رحمه الله: الصمت سلامة، وهو الأصل. وعليه ندامة إذا ورد عنه الزجر فالواجب: أن يعتبر فيه الشرع، والأمر والنهي. 

والسكوت فِي وقته صفة الرجال كَمَا أَن النطق فِي موضعه من أشرف الخصال. 
وَقَالَ تَعَالَى مخبرا عَنِ الجن بحضرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا}.
والسكوت على قسمين: سكوت بالظاهر، وسكوت بالقلب والضمائر. 
فالمتوكل: يسكت قلبه عن تقاضي الأرزاق. 
والعارف: يسكت قلبه مقابلة للحكم بنعت الوفاق. 
فهذا بجميل صنعه واثق، وهذا بجميع حكمه قانع. 
فأما إيثار أرباب المجاهدة السكوت فلما علموا فِي الْكَلام من الآفات , ثُمَّ مَا فِيهِ من حفظ النفس وإظهار صفات المدح والميل عَلَى أَن يتميز بَيْنَ أشكاله بحسن النطق وغير هَذَا من آفات الخلق. 
والصمت لَيْسَ بمخصوص عَلَى اللسان لكنه عَلَى القلب والجوارح كلها وَقَالَ بَعْضهم من لَمْ يستغنم السكوت فَإِذَا نطق نطق بلغو. 
قَالَ أَبُو بَكْر الفارسي من لَمْ يكن الصمت وطنه فَهُوَ فِي الفضول وإن كَانَ صامتا. 
يَقُول ممشاذ الدينوري: الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت والتفكر. 
يروى عَن معاذ بْن جبل أَنَّهُ قَالَ: كلم النَّاس قليلا وكلم ربك تَعَالَى كثيرا لعل قلبك يرى اللَّه تَعَالَى. 
قيل لذي النون الْمِصْرِي من أصون النَّاس لنفسه؟ قَالَ أملكهم للسانه. 
قيل: صمت العوام بألسنتهم وصمت العارفين بقلوبهم وصمت المحبين من خواطر أسرارهم. 
يَقُول الفضل بْن عياض : من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. 
قيل: " الصمت : عبادة من غير عناء ، وزينة من غير حلي ، وهيبة من غير سلطان ، وحصن من غير سور ، وراحة للكاتبين ، وغنية من الاعتذار "

يقول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: " الصمت : هو شعار المحققين بحقائق ما سبق وجف القلم به ، وهو مفتاح كل راحة من الدنيا والآخرة ، وفيه رضى الله وتخفيف الحساب ، والصون من الخطايا والزلل . وقد جعله الله ستراً على الجاهل وزينا للعالم ومعه عزل الهوى ورياضة النفس وحلاوة العبادة وزوال قسوة القلب والعفاف والمروءة والظرف ". 
يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري : الصمت نوعان : 
صمت باللسان ، وصمت بالجنان ، وكلاهما لا بد منه في الطريق،فمن صمت قلبه ونطق لسانه : نطق بالحكمة ،ومن صمت لسانه وصمت قلبه، تجلى له سره ، وكلمه ربه وهذا غاية الصمت ". 
يقول ابن عربي :  الصمت على قسمين : 
صمت باللسان عن الحديث بغير الله تعالى ، مع غير الله تعالى جملة واحدة . 
وصمت بالقلب عن خاطر خطر له في النفس ، في كون من الأكوان البتة . 
فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه : خف وزره . 
ومن صمت لسانه وقلبه : ظهر له سره ، وتجلى له ربه . 
ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه : فهو ناطق بلسان الحكمة . 
ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه : كان مملكة للشيطان ، ومسخرة له . 
فصمت اللسان : من منازل العامة ، وأرباب السلوك . 
وصمت القلب : من صفات المقربين ، وأهل المشاهدات . 
وحال صمت السالكين : السلامة من الآفات . 
وحال صمت المقربين : مخاطبات التأنيس . 
فمن التزم الصمت في جميع الأحوال كلها ، لم يبق له حديث إلا مع ربه ، فإن الصمت على الإنسان محال في نفسه . 
فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار،إلى الحديث مع ربه ،كان نجياً مقرباً مؤيداً في نطقه . 
وإذا نطق نطق بالصواب لأنه ينطق عن الله تعالى . فالنطق بالصواب نتيجة الصمت عن الخطأ ، والكلام مع غير الله خطأ ، بكل حال ، وبغير الله سوء من كل حال ... 
ولحال الصمت مقام روحي على ضروبه . والصمت يورث معرفة الله تعالى وتقدس "

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية