آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

معنى أن أكون بودشيشيا

معنى أن أكون بودشيشيا
تمهيد :
 قال أسامة المراكشي لصديقه : " بعد مراجعات مذهبية محايدة ، قررت اخيرا أن أصبح متصوفا على الطريقة القادرية البودشيشية ، اجلس مع مريدي الزاوية لتزكية النفس ، وتطهير القلب ، وتنقية الباطن " .
فقال صديقه : يا لها من ردة! أنسيت معتقدات الفرق الضالة ، والصوفية منهم ؟
أنسيت ما يقوله العلماء عند تصديهم للصوفية ، من شركيات وبدع   . لا يسعني في هذه الحالة إلا ان اقول لك : هذا فراق بيني وبينك ".
فما هو التصوف ؟ وما حكم الإنتماء للتصوف البودشيشي ؟
تعريف التصوف :
التصوف اصطلاحا :
التصوف مصطلح لم يكن معروفا ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من المصطلحات العلمية ( كعلم التوحيد ، وعلم التجويد ، وعلم النحو ، وعلم الفقه وغيرها من العلوم ...) وهو علم يراد به تحقيق مقام ( الإحسان ) المذكور في حديث جبريل عليه السلام .
قال الإمام الجنيد رحمه الله مؤسس علم التصوف :" هو تصفية القلب عن موافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية ، وإخماد صفات البشرية ، ومجابنة الدواعي النفسية ، ومنازلة الصفات الرومانية ، والتعلق بالعلوم الحقيقية ، واستعمال ما هو أولى على الأبدية ، والنصح لجميع الأمة ، والوفاء لله على الحقيقة ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة " . كتاب " حسن التلطف " (ص 4).
وقال شيخ الطريقة القادرية البودشيشية سيدي حمزة قدس الله سره :" طريقتنا هي : طريقة الكمال المحمدي ، والسر الرباني ، ولا يحفظ السر سوى التمسك بكتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، حسب الإستطاعة ومقتضى العصر " كتيب " نبذة عن الطريقة القادرية البودشيشية " (ص 14).
وإذا كان علم التصوف قد عرف بأكثر من تعريف ، على حسب ذوق رجاله ومشايخه ، فإن له أسماء أخرى منها :
1 – علم تزكية النفس .
2 – علم الباطن
3 – علم التربية الروحية
4 – علم مقام الإحسان
5 – علم السلوك إلى الله
6 العرفان

وعلى كل فإن المهم هو الإهتمام بالحقائق والأسس وليس بالتعابير والألفاظ .تعريف البودشيشية :
البودشيشية : هي لقب لأحد أفراد العائلة القادرية بالجهة الشرقية من المملكة المغربية ، وسمي ب ( أبي دشيشة ) لأنه كان يطعم فقراء المنطقة طعام " الدشيشة " أي " البلبولة " عند البعض ، أثناء فترات المجاعة في القرن التاسع العاشر ، وترجع شجرة العائلة إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مرورا بالشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني قدس الله سره .
حكم التصوف :
أجمع المحققون أن تزكية النفس للوصول إلى مقام الإحسان واجب على كل مسلم ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب :
قال الإمام مالك رضي الله عنه :" من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ،ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ،ومن جمع بينهما فقد تحقق ". " حاشية العلامة علي العدوي علي شرح الزرقاني في الفقه المالكي " ( ج 3 / ص 95 )
وقال الإمام السيوطي رحمه الله :" واما علم القلب ، ومعرفة أمراضه من الحسد ، والعجب ، والرياء ونحوها ... فقال فيها الإمام الغزالي رحمه الله إنها : فرض عين .كتاب " الأشباه والنظائر " ص 504
وقال أبو الحسن الشادلي العلامة الصوفي الشهير رحمه الله :" وحيث كان ( علمنا هذا ) فرض عين يجب السفر إلى من يأخذه عنه ، إذا عرف بالتربية ، واشتهر الدواء على يديه " " أيقاظ الهمم " (ص 7)
وإذا كان بعض " المتصوفة " قد أساؤوا إلى سمعة التصوف بنظرياتهم غير الصائبة أو تصرفاتهم المخالفة للشرع ، فإن ذلك لا يقدح في أصل مشروعية التصوف الذي هو تزكية النفس وتربية الروح على منهاج النبوة .
الدليل من الكتاب :
قال تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وإن الله لمع المحسنين " العنكبوت(69).
فالمجاهدون الذين جاهدوا انفسهم ، وصبروا على المغريات والشهوات ، سيهديهم الله إلى الطرق الموصلة إليه .
ومن تحقق من " الإحسان " كان الله معه ، ( وإن الله لمع المحسنين ) .
قال ابن القيم رحمه الله :" والذين جاهدوا فينا " علق سبحانه الهداية بالجهاد ، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا ، وأفرض الجهاد : جهاد النفس ، وجهاد الهوى ،  وجهاد الشيطان ، وجهاد الدنيا . فمن جاهد هذه الأربعة في الله ، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته.
 قال الجنيد :" والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة ، لنهديهم سبل الإخلاص "
ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الاعداء باطنا "  ابن القيم كتاب " الفوائد " ص (59)
 الدليل من السنة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – لما سئل عن الإحسان - :" أن تعبد الله كانك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " رواه مسلم
قال سيدي عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله :" من أخل بهذا المقام ( مقام الإحسان ) فدينه ناقص ، بلا شك لتركه فغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو : مقام الإحسان بعد تصحيح الإسلام والإيمان " .كتاب " حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف " ص (13)
نصوص إضافية داعمة :
1- قال الإمام أحمد بن حنبل لولده بعد صحبته لأبي حمزة البغدادي - :" يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم ، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم ، والمراقبة والخشية ، والزهد ، وعلو الهمة " الشيخ أمين الكردي في " تنوير القلوب " ص (405).
 فالسلف الصالح كانوا يعرفون علم التصوف ويعيشونه ، ولم يكن عندهم منكرا أو خروجا عن الشرع .
2 – قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله :" ولقد علمت يقينا أن الصوفي  هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وطريقتهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق " . " المنقذ من الضلال " ص (16).
ومعروف أن الغزالي رحمه الله كان وحيد عصره في جميع العلوم ، حتى إنه جمع بين يديه آلاف طلبة العلم ، بما فيهم أبناء الخليفة ، لكنه أحس بشيء في قلبه وقرر الهجرة سرا ، والأخذ على يد شيخ مربي ، وكان من حاله ما بينه في " المنقد " و " الإحياء " .
3 - قال الإمام الشاطبي رحمه الله :"  إن كثير من الجهال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع ، وإلتزام ما لم يأت في الشرع إلتزامه مما يقولون به ، ويعملون عليه ، حشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولون به ، فأول شيء بنوا عليه طريقهم إتباع السنة ، واجتناب ما خالفها" ،   كتاب " الإعتصام " ص (62).
وقديما قيل : " الإنسان عدو ما يجهل ".
4 – قال الإمام السيوطي رحمه الله :" كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله – وليسوا منهم  - فأدخلوا فيه ما ليس منه ، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع ". 
-"  إن كثير من الجهال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع ، وإلتزام ما لم يأت في الشرع إلتزامه مما يقولون به ، ويعملون عليه ، حشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولون به ، فأول شيء بنوا عليه طريقهم إتباع السنة ، واجتناب ما خالفها "
كتاب " الإعتصام " ص (62)
وقديما قيل : " الإنسان عدو ما يجهل ".
4 – قال الإمام السيوطي رحمه الله :" كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله – وليسوا منهم  - فأدخلوا فيه ما ليس منه ، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع "كتاب " تأييد الحقيقة العلمية "  ص (57).
وفعلا فإن بعض المنتسبين للصوفية شوهوا سمعته بالإعتقادات الباطلة والتصرفات المنكرة، ولكن ذلك كله لا يقدح في أصل مشروعية التصوف الذي طلب مقام " الإحسان " أو السلوك إلى الله .
5 حكى مريد بودشيشي فقال :
" أصابتني أزمة نفسية حادة ، أدت بي إلى الإكتئاب وجعلتني لا أعرف طعم النوم مدة أربعة أشهر متتالية ، زرت بسببها عدة أطباء ومختصين ، ودامت هذه المدة   سنوات وسنوات ، وكنت أسمع
 ضجيجا في أذني حتى كدت أجن ، وبدأت أخاف ، وأتوجس ، وكان حالي ينطق كل يوم : " يا ليتني مت قبل هذا ، وكنت نسيا منسيا "  وحدثتني نفسي مرارا وتكرار بمقارفة الشهوات والملهيات ، لعلي أخرج من هذه الحالة ، وهو حل يلجأ إليه الكثير من الناس ، حتى أدركتني رحمة الله ثم رحمة الشيخ سيدي حمزة البودشيشي قدس الله سره ، حيث ذهب بي صديق لي إلى الزاوية ، وهناك اجتمعت مع الفقراء على الأذكار وقراءة القرآن   والأوراد ، والسماع ـ  ...وزيارة الشيخ بمداغ وأمرني ب ( الصلاة الطبية ) فتغيرت حالي تماما       فالشكر لله رب العالمين ثم للعارف بالله المأذون له بالعلاج ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين " .
الخلاصة : 
يتضح من الأدلة السابقة أن الدخول في التصوف فرض عين ، لتحصيل مقام الإحسان .
وتزداد فرضيته في هذا الظرف الصعب الذي تمر منه الأمة الإسلامية ، والمغربية على الخصوص ، من إنحدار سحيق للقيم والثوابت والأخلاق ، حيث التعصب المذهبي والتمزق النفسي ، والضلال الفكري ، مع توسيع دائرة التكفير والتبديع بدون ضوابط ولا قواعد ،وإن اتهام المتصوفة بما يليق وبما لا يليق لا يجوز شرعا ولا عقلا ، ففيهم العالم والجاهل ، الأصيل والدخيل ، المعتدل والمتطرف . كما يوجد ذلك في غيرهم .
ومعروف أن الطريقة القادرية البودشيشية تحت مشيخة أستاذها العارف بالله سيدي جمال الدين رضي الله عنه تنطلق من الثوابت الراسخة للأمة المغربية وهي : العقيدة الأشعرية ، والفقه المالكي ، والتصوف السني ، وإمارة المؤمنين .

من اعداد الاستاذ : محمد النوة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق