آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

بيان على ضرورة الشيخ المربي المأذون .


قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام) وقال أيضاً: (مما يجب في حق سالكِ طريق الحق أن يكون له مرشد ومرب ليدله على الطريق، ويرفع عنه الأخلاق المذمومة، ويضع مكانها الأخلاق المحمودة، ومعنى التربية أن يكون المربي كالزارع الذي يربي الزرع، فكلما رأى حجراً أو نباتاً مضراً بالزرع قلعه وطرحه خارجاً، ويسقي الزرع مراراً إلى أن ينمو ويتربى، ليكون أحسن من غيره ؛ وإذا علمت أن الزرع محتاج للمربي، علمت أنه لا بد للسالك من مرشد البتة، لأن الله تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للخلق ليكونوا دليلا ً لهم، ويرشدوهم إلى الطريق المستقيم ؛ وقبل انتقال المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى الدار الآخرة قد جعل الخلفاء الراشدين نواباً عنه ليدلوا الخلق إلى طريق الله ؛ وهكذا إلى يوم القيامة، فالسالك لا يستغني عن المرشد البتة)، و يقول أيضا ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق الرشاد، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينتهِ عما نهى عنه وزجر) [مفتاح الفلاح" ص ٣٠ ].

   وقال أيضاً: ولو أن طريق القوم يوصلُ إليها بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها لما احتاج مثل حجة الإسلام الإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخذَ أدبهما عن شيخ مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما طريق القوم: كل من قال: إن َثم طريقاً للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل. فلما دخلا طريق القوم قالا: قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب. وأثبتا طريق القوم ومدحاها..

   والسلوك يكون على يد شيخ حيّ عارفٍ بالله، صادق ناصح، له علم صحيح، وذوق صريح، وهمة عالية، وحالة مرضية، سلك الطريق على يد المرشدين، وأخذ أدبه عن المتأدبين، عارف بالمسالك، ليقيك في طريقك المهالك ويدلك على الجمع على الله، ويعلمك الفرار من سوى الله، ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله، يوقفك على إساءة نفسك، ويعرفك بإحسان الله إليك، فإذا عرفته أحببته،وإذا أحببته جاهدت فيه، وإذا جاهدت فيه هداك لطريقه، واصطفاك لحضرته، قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا َلنهدِينهم سبلَنا".

    قال الشيخ الإمام العارف أبو عبد الله بن عباد أثناء شرحه لقول ابن عطاء الله: ( لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين ) ما نصه: ولا بد للمريد في هذه الطريق من صحبة شيخ محقق مرشد، قد فرغ من تأديب نفسه، وتخلص من هواه، فليسلم نفسه إليه، ويلتزم طاعته والانقياد إليه في كل ما يشير به عليه، من غير ارتياب ولا تأويل ولا تردد، فقد قالوا: من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه.
قال المحشي: نحوه قول أبي الحسن لا يتم لعالم سلوك في طريق القوم ولو ارتفعت درجته في العلم إلا بصحبة شيخ ناصح ، وقول الجنيد: ''الله سبحانه سن سنة أزلية ألا يجد السبيل إليه إلا من قيض الله له أستاذا عارفا بالله فيسوقه إلى منهاج عبوديته، ومعارج روحه وقلبه، إلى مشاهدة ربوبيته، ويكون واسطة بينه وبين الله، وإن كان الفضل بيد الله يوتيه من يشاء بغير علة ولا سبب'' .

    قال في لطائف المنن: إنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته، فألقيت إليه القياد، فسلك بك سبيل الرشاد، يعرفك برُعونات نفسك في كمائنها ودفائنها، ويدلك على الجمع على الله، ويعلمك الفرار عما سوى الله، ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى أن يوقفك على إساءة نفسك، ويعرفك بإحسان الله إليك، فيفيدك معرفةُ إساءة نفسك الهربَ منها وعدمَ الركون إليها، ويفيدك العلمُ بإحسان اللهِ إليك الإقبالَ عليه والقيام بالشكر إليه، والدوامَ على ممر الساعات بين يديه.
قال: فإن قلت: فأين مَن هذا وصفه، لقد دللتني على أغرب من عنقاء مُغرِب؟ فاعلم أنه لا يعوزك وجدان الدالين، وإنما قد يعوزك وجود الصدق في طلبهم ( جد صدقا تجد مرشدا ) ويجد ذلك في آيتين من كتاب الله تعالى؛ قال سبحانه: { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } [النمل: 62] وقال سبحانه: { فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم } [محمد:21] فلو اضطررت إلى من يوصلك إلى الله اضطرار الظمآن إلى الماء والخائفِ إلى الأمن لوجدت ذلك أقربَ إليك من وجود طلبك، ولو اضطررت إلى الله اضطرار الأم لولدها إذا فقدته لوجدت الحق منك قريبا ولك مجيبا، ولوجدت الوصول غيرَ متعذِّر عليك، ولتوجه الحق بتيسير ذلك عليك اهـ وفي كلامه رحمه الله تعالى تنبيه على أن الشيخ من مِنَحِ الله وهداياه للعبد المريد إذا صدق في إرادته، وبذل في مناصحة مولاه جهد استطاعته لا على ما يتوهمه من لا عنده، وعند ذلك يوفقه الله لاستعمال الآداب معه لما أرشده على مرتبته ورفيع درجته.
وقال سيدي أبو مدين رضي الله عنه: الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم، وسرك بالتعظيم، الشيخ من هذبك بأخلاقه، وأدبك بإطراقه، وأنار باطنك باطنك بإشراقه الشيخ من جمعك في حضوره وحفظك في مغيبه، قال في لطائف المنن: ليس شيخك من سمعت منه، وإنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك عبارته، وإنما شيخك الذي سرت فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، وإنما شيخك الذي رفع بينك وبينه الحجاب، وليس شيخك من واجهك مقاله، إنما شيخك الذي نهض بك حاله.
    شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى. شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك، حتى تجلَّت فيها أنوار ربك، أنهضك إلى الله فنهضت إليه، وسار بك حتى وصلت إليه، وما زال محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه، فزج بك في نور الحضرة وقال: "ها أنت وربك".

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق