نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

علم السكون إلى الله عز وجل

متى يألف العبد أحكام مولاه ، ويسكن فى تدبيره واختياره ؟

الناس فى هذا على مقامين ، فافهم ، فمن كان منهم إنما يألف أحكام مولاه ، ليقوم بأمره الذى يوصله إلى ثوابه ، فذلك حسن وفيه خير كبير ، إلا أن صاحبه يقوم ويقع ، ويصبر مرة ويجزع أخرى ، ويرضى ويسخط ، ويعبر ويراجع الأمر ، فذلك يؤديه إلى ثواب الله ورحمته ، إلا أنه معنى فى شدة ومكابدة.وإنما يألف العبد أحكام مولاه ، ويستعذب بلواه ، ويسكن فى حسن تدبيره واختياره بالكلية بلا تلكؤ من نفسه : إذا كان العبد : آلفا لمولاه ولذكره ،وهو له محب واد ، وبه راض ، وعنه راض.فهل يكون ،أيها السائل ،على المحب مؤنة فيما حكم عليه محبوبه ؟ كيف ؟ وإنما يتلقى ذلك بالسرور والنعيم!
هكذا جاء فى الخبر : حتى يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.
وقال فى خبر آخر : غنية الصديقين ما زوى عنهم من الدنيا. 
وروى عن الله عز وجل فى بعض ما أنزل من كتبه : إنه قال "معشر المتوجهين إلى بحبى ،ما يضركم ما نابكم من الدنيا ،إذا كنت لكم حصنا ، وما يضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلما ؟!"
فمن كان مع الله عز وجل ، بهذه الأحوال فى المواطن ، كيف يكون إلا على نحو ما ذكرناه! 
ولقد قال بعض العلماء بالله تعالى ، وأهل القرب منه : إن القوم الذين ذكرنا بعض أحوالهم لا يرضون من أنفسهم أن تكون تقاوم الأمور عند حلولها ، والأحداث عند نوازلها ، حتى تتمكن من قلوبهم ، فيحتاجون أن يصبروا عليها أو يرضوا بها
بل الصبر والرضا لهم ، تابع مضاف ، لإنهم طالبوا من أنفسهم صحة الشغل بالله تعالى ، والإنفراد به ، فلم يرضوا عند ذلك أن تكون الأمورالنازلة بهم تقاوم ذكر الله تعالى ،حتى تساويه : (والله غالب على أمره).
وبعد ، فإنهم عبيد محكوم عليهم ، وإن أقل القليل فى الأوقات ليملكهم ، حتى يقروا لله تعالى ، بالضعف ويسألوه العون ، فلا تعجب ، إذا بدا لك من أحد منهم شئ من ذلك، فهذا النبى ، صلى الله عليه وسلم، يقول : "إنى بشر ، اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائى عليه رحمة".
وسمعت بعض العلماء بالله عز وجل ،يقول :" إن من شدة اتصال العبد بمولاه ووجده به، ونزوله فى قربه لا يجد طعم اختلاف الأحكام ، بل يكون معه النظر الخفى إليها ، حتى كأنها على غيره أو بغيره نازله".
فهذا غاية من التلقى للأحكام ، فافهم هذا الموضوع وتدبره ، فإنه يؤديك إلى علم السكون إلى الله عز وجل ، إن شاء الله.
وإنما يكون السكون إلى الله تعالى ، والطمأنينة على قدر القرب من القلب. 
ومن شرح السكون إلى الله تعالى ، فقد حس الأشياء من القلب وسكون دواعي الهم ، وهدوء الضمير مع الله وإلى الله تعالى.
فعند ذلك تكون الأمور من الدنيا والآخرة ، وأعمال البر والطاعة طالبة للعبد ولاحقة به، وإليه محتاجة وإليه واصلة ، بل موصولة ، لإنه عزف عنها واستغنى بمالكها فوصلت إليه.
قال الله عز وجل :(أليس الله بكاف عبده)
وبلغنا أن الله عز وجل ،أوحى إلى عيسى عليه السلام : "أنزلنى منك كهمك واجعلنى ذخرا لك فى معادك".
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم : من غير طريق أنه قال : "من جعل الهم هما واحدا كفاه الله سائر همومه".
وروي عن الفضيل بن عياض رحمه الله ، أنه قال : "ما عجبت من عبادة ملك مقرب ولا نبى مرسل إذا كان الله عز وجل قواهم على ذلك".
وهكذا من ذكرناه من القوم وصفاتهم. 
فمن نظر إلى عبيد الله تعالى ، بنفسه وقياسه ، وبأنفسهم ما يشبههم فهم عنده فى موضع النقص أبدا، فإذا نظر إليهم بالله عز وجل ، وبقوته وتدبيره فمما يعجب ؟وبالله التوفيق. 

كتاب التجليات الروحية فى الإسلام

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق