نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية (1).

    لما كانت الطريق الى الله تعالى - وخصوصا طريقتنا هذه - لا تسلك الا بالآداب ، وإلَا زلّت قدم السالك وأسرع إلى العطب ، لكونها صعبة المرام ، عظيمة النفع على الدوام ، والأدب أساس الطريق ، عليه تبنى الأعمال والأحوال ، من كل صادق صدّيق ، رأيت أن أثبت نبدةٌ من الآداب ، من علينا بها الكريم الوهاب وسميتها :الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية ، وربنا المسؤول في حصول النفع للإخوان ، إنه رؤوف رحيم منان.
فصل
اعلم يا أخي - أرشدني الله وإياك -أن بالأدب تطوى المسافة ، وبه يذهب عنك ما في الريق من المخافة ، والصوفية رضي الله عنهم لا يعرفون ولا يتميّزون إلّا بالأدب ، إذ الشرائع كلّها أدب مع الحقيقة ، ولولا الأدب ما ظهرت أسرارها ، ولا أشرقت أنوارها ، وليس في الوجود إلّا الحقيقة ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه وتعالى :{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]
وقوله تعالى :(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ )(الإسراء 7)
وقوله تعالى :(إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الأنفال :70)
وقوله تعالى :(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ) (فُصّلت: 46)
إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على الأدب مع الجميع ، فضلا مع أوليائه تعالى ، فعلى المريد أن يلزم نفسه الأدب لينال من أسرار القريب المجيب .
وبالأدب الظاهر يحصل أدب الباطن ، أعني التعظيم ، إذ سوء الأدب ينشأ عن عدم التعظيم ، وعدم التعظيم من ضعف المحبة ، و ضعف المحبة من التفات القلب إلى الغير ، فلو حصلت المحبة لحصل التعظيم ، ولو حصل التعظيم لحصل الأدب ، ولو حصل الأدب لحصل التحقيق .
وأنواع الأدب كثيرة ، ولكن نذكر بعض ما هو آكدُ منها على المريد فأقول وبالله أستعين :

عدم زيارة الشيخ إلّا بهدية
1 - فمن أدب المريد : أن لا يتقدّم لزيارة الشيخ إلاّ بهدية أو مودة ، ولو لم تكن غيبته عنه إلّا نحو الثلاثة أيام ، وإن كان فقيرا ولم يجد شيئا فليحتطب شيئا من طريقه ويأت به إن وجده ، أو غير ذلك ، ومن لم يجد لا قليلا ولا كثيرا فليُنفق نفسه ، ومن لم يكن عنده إلّا شيءٌ قليل فلينفق منه ، قال مولانا تعالى :(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) ( الطلاق :7).
وأما إن قدم فارغ اليد فإن مدد الشيخ يمتنع جريانه له ، كماء البئر إذا فُقدَ منه الدلو ، فالماء موجود لكن لا سبيل إليه ، فافهم.
ومن كان ذا مرض أو فاقة شديدة فلا ينبغي ان يمنعه ذلك من الزيارة ، وهذا كله لمن كان طبعه طبع العوّام ، وعلامته البخل ، وأما من كان طبعه السّخاء والمحبة فليقدم بالشيء أو بلا شيء ، وقدومه بلا شيء كقدومه بشيء ، لأن من كان على هذا الوصف فهو محبٌّ صادق ، ولبيب حاذق ، وللزوم أهل القلوب لائق ، وبدسائس نفسه عائق ، وبشطحات الوجود طارق ، وإلى لقاء المحبوب شائق ، وفي عين بحر التوحيد غارق .
ومن هنا وصل من وصل ، وانفصل من انفصل ، فكن يا أخي موافقا لأستاذك ، في جميع أقوالك وأفعالك ، ليمتزج حسّك بحسّه ، ومعناك بمعناه ، وحينئذ يفتح لك باب حضرة الأولياء والملائكة ، ثم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم باب حضرة الحق تعالى ، فرحم الله من تفرّغ لمحبّة الرجال .


الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية


يتبع...

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق