آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

كتاب : تنبيه السالك والمريد لما فيه الفلاح والتسديد.

وبعد: أحبتي في الله تعالى: إن هذا السير الذي أكرمنا الله تعالى به هو لب الإسلام وروحه، ولا قيام للروح بدون الجسد، ولا قيام للجسد بدون الروح، ولذلك فالجميع بحاجة إليه، وقد أكرمنا الله تعالى بحمل هذه الأمانة ، فلا بد من توضيح بعض الضوابط المنهجية، والأسس التربوية، والآداب السلوكية، لنضعها بين يدي أحبابنا حفظهم الله تعالى لتعطي التصور الصحيح والفهم السليم لما عليه سيرنا إلى الله جلَّ وعلا، حفاظاً عليه من الأدعياء والدخلاء والخلطاء، ليبقى نقياً طاهراً كما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم.
ومن المعلوم ضرورة أن سيرنا إلى الله تعالى هو مدرسة تربوية تهذيبية خالصة، تعنى بسلامة التفكير، وتزكية النفوس، وصفاء القلوب، وإشراقة الأرواح، قيدها الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم كما بين ذلك إمام الطائفتين رضي الله عنه، إذ نسعى لبنائه في أنفسنا ونقله إلى غيرنا بالدعوة إليه سبحانه على بصيرة من أمرنا بالوسائل المشروعة والأساليب الحكيمة. 
والله نسأل أن يحفظ علينا ديننا، ويرزقنا الاستقامة والثبات عليه، وأن يحققنا بالمحبة له والقرب منه حتى نلقاه وهو راضٍ عنا إنه سميع مجيب. 

مصطلحات وتعاريف

1- الشريعة : هي الأمر بالتزام العبودية لله تعالى.
والشرع في اللغة: هو البيان والإظهار. 
والشريعة والشرع والدين والملة كلها كلمات تعبر عن معنى واحد. 
2- الطريقة : هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى، أو الأسلوب الأمثل في تطبيق أمر الله تعالى ، يقول فضيلة الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى: التقرب إلى الله تعالى لا يكون إلا بما شرعه الله تعالى، فإن شريعة الله تعالى هي الطريقة الموصلة إلى قربه وحبه تعالى. ومن المعلوم في اللغة العربية أن: الشرعة والشريعة هي الطريقة، قال الله تعالى:{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}.ويقول فضيلة الشيخ عبد الله بن علوي الحداد رحمه الله تعالى: (الطريقة هي العمل بمقتضى ما شرعه الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وما شرعه يسمى شريعة، وكذا العلم بذلك فإنه أيضاً يسمى شريعة، والعمل بذلك العلم يسمى طريقة، والحصول على ثمرة ذلك يسمى حقيقة). 
3- الحقيقة : من حقَّ الشيء إذا ثبت، والتاء لنقل الكلمة من الوصفية إلى الاسمية. 
وفي اصطلاح أهل اللغة: حقيقة الشيء ما به يكون هو كما هو. 
فالشريعة خطاب الله تعالى وكلامه الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم لتبليغه إلى خلقه، وتكليفهم بالتزام أمره تعالى واجتناب نهيه. 
والحقيقة مظهر إرادته سبحانه وتعالى عن سر تصرفه في خلقه وجميع كونه، وقد يخص الله تعالى ببعض علمه من اختار من أنبيائه ورسله ثم بعضاً من أحبابه وخواص عباده (كالخضر عليه السلام). 
وقد أطلق على العلم بالشريعة: علم الفقه أو علم الدين. 
كما أطلق على علم الطريقة: علم التصوف أو علم التربية أو التزكية أو مقام الإحسان وهو الركن الثالث من أركان الدين، قال الله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إليَّ}. والسبيل هو الطريق. 
4- التصوف : هو علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية. 
ومعنى العلم هو: إدراك الشيء على حقيقته، والعلم لا يكون إلا بالتعلم، ولا يؤخذ العلم إلا عن أهله، ومضمون هذا العلم هو معرفة أحوال تزكية النفوس. وكلمة أحوال تدل على تنوع أساليب تزكية النفوس لتطهيرها من الأدران بحسب الزمان والمكان والأشخاص. وتصفية الأخلاق تدل على تخليص الأخلاق الفطرية البريئة من الشوائب التي قد علقت بها. وسئل سيدي عبد الله بن علوي الحداد رضي الله عنه عن معنى السير إلى الله تعالى، فأجاب: بأنه تزكية النفس والجوارح عن منكرات الأخلاق والأعمال، وبذلك يقرب العبد من الله تعالى قرباً معنوياً، وكلما كان أزكى وأطيب كان أدنى وأقرب، والسالك من مشى على المقامات بحاله لا بعلمه وتصوره. 
قال أئمتنا: أول التصوف علم وأوسطه عمل وآخره موهبة. 
فالعلم يكشف عن المراد، والعمل يعين على المطلوب، والموهبة تبلغ غاية الأمل. 
وأهله على ثلاث طبقات: مريد طالب وهو صاحب وقت،ومتوسط سالك وهو صاحب حال، ومنتهي واصل وهو صاحب سر. 
والواصل إلى الله تعالى من وصل بالعلم بالله تعالى إليه، وأهل هذه المرتبة يتفاوتون تفاوتاً لا ينحصر. 
وللواصل إلى هذا المقام حالتان تسمى إحداهما بالجمع وهو: الاستغراق في شهود عظمة الله تعالى وصفات جماله، والأخرى تسمى بالفرق وهي: شهود الخلق. 
فإذا ورد على العارف بالله تعالى حالة الجمع فني عن نفسه وغيره من أبناء جنسه، واستغرق بربه وذهب فيه بالكلية فلا يخطر خاطر، ولا يظهر موجود إلا وجود الحق جل وعلا. 
والكامل من يجمع بين الحق والخلق، فيكون مع الخلق بظاهره ومع الحق بقلبه، وتلك زينة الأنبياء والصديقين والأولياء الكاملين. 
ولا شيء أعون للعبد على الوصول إلى الله تعالى من: 
1.الإكثار من ذكر الله تعالى. 
2. امتثال أمره تعالى واجتناب نهيه. 
3. إظهار الذل والافتقار له سبحانه. 
4. التبرؤ من الحول والقوة والرجوع إلى حول الله تعالى وقوته. 
5. رؤية الفضل والمنة لله تعالى. 
5- الشيخ : هو المربي المأذون العارف بالله تعالى، الوقاف عند حدود ما شرعه الله تعالى، 
الخبير بطرائق معالجة أمراض النفوس وتزكيتها، والعالم بمشكلات عصره وأهل زمانه. 
ويؤخذ السر عنه بـ: 
1-المرافقة والموافقة. 
2- النظر والتسليم. 
3- الخدمة والمحبة. 
{إن كنت تدري، تعرج وتسري، خذ عني سري، به تلقى الله} 
6- الإذن : هو إجازة من الشيوخ بالأهلية للتربية، وهي ضرورية وهامة في كل زمان، ولولاها لادعى الأهلية من لا أهلية لديه ولا تربية. 
وشروطها أربعة: 
أ‌- المعرفة بالله تعالى. ودليلها: مكارم الأخلاق. 
ب- التقوى والعمل من أجل الله سبحانه وتعالى. ودليل ذلك: الوقوف عند حدود ما أحل الله تعالى وما نهى عنه. 
ج- الخبرة بأحوال النفوس وعللها وأمراضها 
ومدارجها. ودليل ذلك: الشخصيات والنماذج التي تخرجت من مدرسته وأصبحت أعواناًللشيخ وإخواناً له. 
د- العلم بعصره وأهل زمانه. ودليل ذلك: الحكمة في التصرفات بما يتناسب والموقف الذي هو فيه. 
7- البيعة : هي انتساب للمدرسة والتزام بمنهجها التربوي، وبشارة في فتح أبواب الخير والترقي في مدارج السالكين إلى الله تعالى. 
8- الورد : هو ذكر الله تعالى، وهو نوعان: 
1. ورد عام: وهو كل صيغة ذكر مشروعة تُذكر المريد بالله سبحانه وتجمع قلبه عليه وتعينه
على الاستقامة والثبات والحفظ. 
2. ورد خاص: وهو ما يسنده الشيخ إلى تلميذه من صيغة مشروعة من صيغ الذكر في أوقات مخصوصة لتدريبه على الاستئناس بالله تعالى ومجالسته والإنابة إليه ومراقبته ومحاسبة نفسالذاكر. 
9- الخلوة : هي اعتكاف ورباط وتجرد لله تعالى لأيام تنقى فيها سريرة المريد ويصفو قلبه وتشرق روحه بنور الذكر ويلهم الحكمة بإذنه تعالى. 
10- المذاكرة : هي سؤال السالك شيخه عما أشكل عليه من أحوال نفسه لمعرفة عللها وأمراضها وكيفية تهذيبها ورياضتها للتدرج بها إلى أعلى مراتب التزكية والصفاء لينال الفلاح منه سبحانه( قد أفلح من زكاها )
11- الرابطة : هي صلة قلبية بين المريد وشيخه، وأخوة بينه وبين إخوانه السالكين يستشعر من خلالها أن له إخوة يسيرون معه وشيخاً خبيراً يأخذ بيده ليجمع قلبه على ربه. 
12- المجالس : وهي على ثلاثة أنواع: 
النوع الأول: مجالس الدروس العلمية التي لابد للمريد السالك من حضورها لتصحيح أفكاره وتحقيق معرفته بدينه. 
النوع الثاني: مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، غايتها تنوير القلوب والتعريف بسيرته عليه الصلاة والسلام وسيرة صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم والتابعين لهم بإحسان. 
النوع الثالث: مجالس الذكر التي تربط القلب بالله سبحانه وتعالى وتساعد على تهذيب النفس والتحقق بالأخلاق الحميدة. 
الأسس التربوية لمدرستنا الربانية
تقوم مدرستنا على أربع ركائز أساسية ومنهجية في سيرها إلى الله تعالى هي:
أولاً: نور الذكر: ونعني به: 
1- ربط القلب بالله سبحانه وتعالى {وربطنا على قلوبهم}. 
2- وزيادة النور الإيماني {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}. 
5- واتباع النبي صلى الله عليه وسلم {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
ولا يكون الاتباع إلا بالوسائل المشروعة. فمنها: 
أ- تلاوة القرآن الكريم، والالتزام بالأوراد والأذكار اليومية الخاصة والعامة فأهل القرآن وأهل الذكر هم خاصته سبحانه وأهل مجالسته. 
ب- التقرب بالنوافل إلى الله تعالى من صلاة وصيام وصدقة ونسك وغير ذلك، إذ النوافل عربون المحبة والشكر (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه). 
ج- السعي في وجوه الخير والنفع لكل مسلم فالخلق كلهم عيال الله تعالى وأحبهم إلى الله تعالى أنفعهم لعياله. 
د- مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله وأخلاقه وسيرته العملية مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم. 
ثانياً: عمق الفكر: 
ونعني بذلك: صحة التفكير وسلامة الفهم والتدبر في عواقب الأمور من خلال: 
أ- سلامة الاعتقاد من الشرك والبدع والأهواء. 
أ‌- التمسك بالشرع وأحكام الفقه الثابتة على المذاهب الأربعة لإجماع الأمة عليها. 
ج- معرفة السنن الربانية الكونية والاجتماعية. 
د- معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم وأحوال الصالحين والعلماء الربانيين العاملين. 
ه- معرفة حاضر العالم الإسلامي وأوضاع المسلمين وما يجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم.
ثالثاً: سَعَةُ الصدر:
ونعني بذلك: التخلي عنالأخلاق المذمومة كالكذب والكبر والعجب والرياء والسمعة وسوء الظن … وأمثالها،والتحلي بالأخلاق الحميدة الفاضلة كالصدق والإخلاص والرحمة والصبر والحلم والتواضع والكرم … وأمثالها. 
رابعاً: روح العصر: 
ونعني بذلك: 
أ‌- ما رآه المسلمون حسناً في المظهر والمسكن والمأكل وغير ذلك فهو حسنٌ. 
ب‌- التيسير والتسهيل على الناس في غير معصية اللهعز وجل. 
ج- الأخذ بوسائل العصر العلمية والتقنيةوالاستفادة منها في وجوه الخير والنفع للمسلمين. 
د- التدرج والحكمة في الدعوة إلى الله تعالى بأساليب الرحمة والرأفة والابتعاد عن الغلظة والشدة وما ينفر المسلمين من دينهم. 
الضوابط المنهجية في السلوك
أولاً: التفريق بين ما هو قاعدة وركيزة أساسية في سير المريد إلى الله تعالى، وبين فرعيات الأمور.فالذكر والمذاكرة وتصحيح الأفكار وسلامة القلب من أمراضه من الأسس التي لا يصح الاختلاف عليها.وأما الفرعيات كالحركة في الذكر، والذكر القلبي أو اللفظي أو التواجد وما إلى ذلك فهي من الفرعيات التي لا تستدعي الجدل فيها أو الإنكار على من لم يفعلها وليست هي المقياس الصحيح لاستفادة المريد أو عدم استفادته.
ثانياً: الأفكار والمبادئ لا تتغير،وأما الأساليب فتتنوع وتتعدد وتتغير على حسب الأزمان والأمكنة والأشخاص.وهذا يدل على الحكمة والحيوية في مدرستنا التربوية واستيعابها لكافة الذوقيات، إذ لا يجب أن يُفرض على جميع الناس ذوق واحد، وأكبر مثال على ذلك تعامل شيخنا رحمه الله تعالى بتنويع أساليبه في المعالجة من شخص لآخر. 
ثالثاً: من كمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام استخدام أداة التشبيه (كأنَّ) في الحديث عن الاستشرافات الروحية والإشراقات النورانية والحالات الإيمانية اليقينية. من ذلك حديث جبريل عليه السلام حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال (أن تعبد الله كأنك تراه … الحديث). 
وحديث حارثة رضي الله عنه (وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً). وحديث حنظلة رضي الله عنه (يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنّا رأي العين) مع كون الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أقرب الخلق معرفة وإيماناً، وأعلم الناس بالله تعالى يقيناً، ونحن أولى وقد بعُدت بنا الشقة وقدُم بنا العهد أن نبتعد عن المؤكدات والقسم في حديثنا عن الجوانب الروحية. 
رابعاً: ترك العبارات المبهمة والغامضة التي تثير الشكوك والأوهام في نفوس بعض السالكين كالغزل الحسي والخمريات وذكر الأسماء المؤنثة وخاصة في المجالس العامة امتثالاً لقاعدة تربوية وضعها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (دع ما يريبك إلى مالا يريبك)، وأخطأ من يعتقد أن العبارة كلما كانت أعقد أو أن الإنشاد كلما كان في الغوامض كان الحال أقوى والاستفادة أعلى. 
خامساً: نسعى بكل جهدنا في الأمور كلها إلى الاعتدال والتوازن والإحاطة الشاملة لكافة جوانب تكامل شخصية المسلم حتى لا يطغى جانب على آخر فتختل الشخصية، وقد يؤدي اختلالها إلى انحراف في سلوكه وتعامله مع الآخرين، قال الله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}، أما الغلو في جانب من الجوانب على حساب ما تبقى فهو خطأ يجب تجنبه والعمل على تعديله. 
سادساً: إذا كان الشطح ضعفاً، وإظهار الكرامة نقصاً، فالتقوى والكمال هو أن يراعي السالك ضبط عبارته بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وبما ورد عن سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم في أقوالهم وأعمالهم، وهذا ما يجب أن نلزم به أنفسنا وندعوا إليه إخواننا. 
سابعاً: الفرق بين العصمة والحفظ معلوم لدى أهل العلم، ونحن نعتقد بالشيخ الحفظ من الله تعالى ولا نعتقد فيه العصمة، إذ الخطأ لا يعني انتقاص القدر ولذلك كان الرجوع إلى الحق من أكبر الفضائل، والموقف من الخطأ النصح والتسديد لا الانتقاد والشماتة. 
ثامناً: طلب الحق مرادنا حيثما كان وأنَّى وجد، والحكمة ضالتنا ننشدها ونسعى إليها. ومن الحكمة في أيامنا هذه عدم التركيز على لفظ (التصوف) وعدم اعتبار هذا اللفظ أصلاً نقف عنده ونتناقش عليه، لأن الأهداف العلمية والتربوية السامية هي المراد من قيام هذه المدارس التي تدعو إلى الله عز وجل، ولا يليق أن نجعل الألفاظ والشكليات حاجزاً عن المضمون، وأن نتمسك بالمظاهر دون اللب إذ لا مشاحة في الاصطلاح، وصدق من قال:(كان التصوف فيما سبق حقيقة بلا اسم، واليوم هو اسم بلا حقيقة)، والموفق هو الذي يستطيع أن يوصل فكرته إلى كل الناس حسب استعداداتهم وبدون حواجز. 
تاسعاً: كتاب (حقائق عن التصوف) لسيدي العارف بالله تعالى الشيخ عبد القادر عيسى قدس الله سره هو المرجع المعتمد بأفكاره وضوابطه وطريقة عرضه في مدرستنا التربوية، وقد أقر الكتاب في حينه كافة علماء بلاد الشام الموثوق بدينهم وعلمهم، وما سواه من كتب القوم رضوان الله تعالى عليهم نأخذ منها ما يناسبنا ونتوقف عند ورود إشكال فيها ونرد على خطئها بالعلم والمعرفة مع الأدب، ولا ضير في ذلك. 

الضوابط المنهجية في التعامل مع الآخرين

أولاً: موقفنا من العلماء العاملين: 
كل عالم وداعية إلى الله تعالى بصدق أخٌ لنا وإن لم يحضر معنا نؤيده وندعو له ونتعاون معه من أجل صالح الإسلام وصلاح المسلمين. ولا ننسى أن الأمة اليوم بحاجة إلى آلاف العلماء العاملين في كافة المجالات للنهوض بها إذ كل فرد يكمل الآخر ويسد ثغرة للأمة هي بحاجة إليها، ولا يمكن لدعوة واحدة مهما كانت أن تستوعب الناس جميعاً. 
ثانياً: موقفنا من الولاية: 
نعتقد بولاية أهل الإيمان ولاية عامة، ونعتقد بأن لله عباداً اصطفاهم ليكونوا أهل خاصته ومجالسته. ولا نعتقد بأن فلاناً من البشر يرانا ويطلع على أعمالنا أينما كنا وأن له قدرة التصرف متى شاء وأنَّى شاء فذلك يتعارض مع ربوبيته سبحانه وتعالى، وهذا غير الفراسة والإلهام والكشف من الله تعالى للعبد الصالح. 
ثالثاً: موقفنا من الكرامة: 
نؤمن بكرامة الأولياء، وأن الكرامة عطاء ومدد من الله تعالى لعبد أخلص له سبحانه في قوله وفعله، ولكن التعيين والتخصيص لفلان دون غيره أمر لا نسلم به ولا نقوله. 
رابعاً: موقفنا من المجاذيب: 
أ‌- عدم الأخذ بكلامهم وعدم الاستشهاد به إذا كان مخالفاً للكتاب والسنة. 
ب‌- عدم اعتبار كلامهم أمراً مسلماً به، مع عدم صحبتهم. 
ج- الإحسان إليهم بأي وجه من وجوه الإحسان مع الرفق في أسلوب التعامل معهم. 
د- عدم اعتبارهم شيوخاً أو مرشدين يقتدى بهم أو يؤخذ عنهم. 
خامساً: موقفنا من أهل السلوك: 
ديننا الحنيف يلزمنا بمحبة الخير لكل مسلم كما نحبه لأنفسنا، وأهل المدارس التربوية أولى بالمحبة والأخوة والتقارب لأن الأهداف واحدة وإن اختلفت الطرائق والأساليب. والاختلاف في الرأي والاجتهاد فيه لا يؤدي إلى القطيعة والكراهية فمن قاطعنا وصلناه ومن جفانا رغبنا فيه. 
صفات الشخصية المسلمة
أولاً: المسلم مع ربه جل وعلا:
1. تنمية النواحي الإيمانية. 
2. تنمية النواحي العقدية. 
3. تنمية النواحي الفقهية. 
4. تنمية النواحي العبادية العملية. 
ثانياً: المسلم مع نفسه: 
أ- مع جسمه: 
1 معتدل في طعامه وشرابه. 
2 مزاول للرياضة البدنية. 
3 نظيف الجسم والثياب. 
4 حسن الهيئة طيب الرائحة. 
ب- مع عقله: 
1 العلم عنده فريضة وشرف. 
2 يطلب العلم حتى الممات. 
3 يتقن ما تخصص به. 
4 يفتح نوافذ مفيدة على فكره. 
5 إتقان لغة أجنبية. 
6 إتقان القرآن الكريم تلاوة مع اللغة العربية تحدثاً وكتابة. 
ج- مع روحه: 
1- يصقل روحه بالعبادة. 
2- يلزم الرفيق الصالح ومجالس الإيمان. 
3- يكثر من ترديد الصيغ والأدعية والأذكار المأثورة. 
د - مع نفسه: 
1 يجاهد نفسه. 
2 يسلك عند شيخ عالم عامل له باع طويل بالتزكية والتربية. 
ثالثاً: المسلم مع والديه: 
1 عارف قدرهما وما يجب عليه نحوهما. 
2 بَرٌّ بهما ولو كانا غير مسلميْن. 
3 كثير الخوف من عقوقهما. 
4 يبر أمه ثم أباه. 
5 يبر أهل ودهما في حياتهما وبعد مماتهما. 
6 يسعى دائماً وبكل جهد إلى إرضائهما. 
رابعاً: المسلم مع زوجته: 
1 يلتزم هدي الإسلام في حياته معها. 
2 يحسن التوفيق بين إرضائها وبر والدته. 
3 يحسن القوامة عليها بالمعروف. 
4 يحاول الارتقاء بها تكميلاً لنقصها (تعليماً ورعايةً). 
خامساً: المسلم مع أولاده: 
1 يدرك مسؤوليته الكبرى تجاه أولاده. 
2 يحاول أن يستخدم في تربيتهم أبرع الأساليب وأنجحها بما يتناسب مع المطلوب. 
3 يشعرهم بحبه وحنانه. 
4 لا يفرق في حنوه ونفقته بين البنات والبنين 
5 يغرس فيهم الأخلاق العالية. 
6 يطلع على كل ما يؤثر في تكوينهم وتوجيههم. 
7 يربطهم ببيئة صالحة تنير لهم الطريق وتحفهم بالحفظ. 
سادساً: المسلم مع أقربائه وذوي رحمه: 
1 يواصل رحمه حسب هدي الإسلام. 
2 يصل أرحامه ولو كانوا غير مسلمين. 
3 يفهم صلة الرحم بمعناها الواسع. 
4 يصل رحمه ولو لم يصلوه. 
5 يدرك مكانة الرحم في الإسلام. 
سابعاً: المسلم مع جيرانه: 
1 وعيه هدي الإسلام في الإحسان للجار. 
2 أحسن الناس معاملة له وسماحة معه. 
3 يحسن إلى جاره على قدر طاقته. 
4 لا يفرق بإحسانه بين جاره المسلم وغير المسلم. 
5 يقدم الأقرب فالأقرب. 
6 يسعى دائماً إلى إرضائهم وجلب الخير والمنفعة لهم. 
ثامناً: المسلم مع إخوانه وأصدقائه: 
1 يحبهم في الله تعالى مقام المحبين في الله تعالى. 
2 لا يقاطعهم ولا يهجرهم ولا يغتابهم. 
3 سمحٌ معهم، عفوٌ عنهم، رفيقٌ بهم. 
4 يلقاهم بوجه طليق، كريم يؤثرهم على نفسه. 
5 يتجنب معهم الجدل والمزاح المؤذي والإخلاف بالوعد. 
6 مطبوعٌ على البر والوفاء معهم، ويدعو لهم بظهر الغيب. 
تاسعاً: المسلم مع مجتمعه: 
1 صادق. 2 لا يغش ولا يخدع. 3 لا يحسد. 4 ناصح. 5 موفٍ بالعهد. 6 متصف بالحياء. 7 رفيق بالناس. 8 رحيم. 9 عفوٌ غفور. 10 سمح. 11 طليق الوجه. 12 خفيف الظل. 13 حليم. 14 يتجنب السباب والفحش. 15 لا يرمي أحداً بفسق أو كفر بغير حق. 16 حيي ستير. 17 لا يتدخل فيما لا يعنيه. 18 بعيد عن الغيبة والنميمة. 19 يتجنب قول الزور. 20 يتجنب ظن السوء. 21 حافظ للسر. 22 لا يناجي ثانياً وبينهما ثالث. 23 لا يتكبر. 24 متواضع. 25 لا يسخر من أحد. 26 يجل الكبير ويصاحب الصغير. 27 يعاشر كرام الناس. 28 يحرص على نفع الناس ودفع الضر عنهم. 29 يسعى بالصلح بين المسلمين. 30 داعية إلى الحق. 31 يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. 32 بعيد عن الرياء والمباهاة. 33 مستقيم. 34 يعود المريض. 35 يشهد الجنازة. 36 يكافئ عن المعروف ويشكر عليه. 37 يخالط الناس ويصبر على أذاهم. 38 يدخل السرور على القلوب. 39 يدل على الخير. 40 ميسر غير معسر. 41 عادل في حكمه. 42 لا يظلم. 43 يحب معالي الأمور. 44 لا يتنطع في الدين. 45 لا يشمت بأحد. 46 كريم جواد. 47 لا يمتن على من يعطيهم. 48 مضياف. 49 يؤثر على نفسه. 50 ينفس عن المعسر. 51 عفيف لا يتطلع إلى المسألة. 52 آلف مألوف. 53 يخضع عاداته لمقاييس الإسلام. 54 يتأدب بآداب الإسلام في طعامه وشرابه وعطاسه ولباسه. 55 يفشي السلام. 56 لا يدخل إلى غير بيته بدون استئذان. 57 يجلس حيث ينتهي به المجلس. 58 يتجنب التثاؤب في المجلس ما استطاع. 59 لا يحد من نظره في بيت غيره. 60 لا يكون إمعة. 61 يجل ويحترم العلماء ويتأدب في حضرتهم. 62 لا يتشدق في كلامه. 
التخلي والتحلي
أولاً: الأخلاق المذمومة .
ينبغي على السالك في سيره إلى الله تعالى أن يتخلى عن جملة الأخلاق المذمومة، مثل: النفاق، الحسد، الغل، الرياء، اللؤم، الحقد، النميمة،الغيبة، الجهل، الكذب، الطعن، الكبر، اليأس، العجب، الخجل، الغضب، الجبن، الغرور، الخيانة،الطمع، الوسواس، الغش، العزلة، الأنانية، المراء، التجسس، الجدال، التردد، القسوة،الغيرة، التحامل، التشاجر، السرقة، التغابن، السب، والشتم، المشاحنة، حب الفضول، اللعن،إفشاء السر، الخداع، قلة الأدب، المراوغة، إطلاق، النظر، الكسل، رفض النصيحة، العناد،اتباع الهوى، حب الدنيا، عقوق الوالدين، حب الظهور، إيذاء الجار، حب الرئاسة، الكسب الحرام، سوء الظن، شدة الحرص، الإخلاف بالوعد، قلة الذكر، الكره والبغض، كثرة الذنوب، الكلام البذيء، الغفلة عن الله، إيذاء المسلمين، عدم الصدق مع الله، كره الخير للغير، عدم الإخلاص مع الله، عدم العمل بالسنة، عدم الصراحة مع إخوانه، إيقاع الفتنة بين الناس، نقض التوبة، عدم المراقبة، الميل إلى الزينة، عدم الفهم، الاستئناس بالخلق، عدم تحمل إخوانه، عدم الرضا، قطع الرحم، البخل، الظلم، عدم المذاكرة، التواكل، حب السيطرة، التسويف، حب الشهرة، كثرة الكلام، ضيق القلب، كثرة الضحك، حب المدح، كثرة المزاح، حب الجاه، فتور الهمة، عدم محبة المرشد، عدم المحبة لله تعالى، ترك النهي عن المنكر، ترك الأمر بالمعروف، عدم محبة الأهل، عدم سعة الصدر، الابتعاد عن المرشد، عدم الصبر على الإيذاء، عدم مجاهدة ترك المعاصي، الانشغال بالخلق ومشاكلهم، الابتعاد عن حضور مجالس الإيمان. 
ثانياً: الأخلاق المحمودة 
ينبغي على السالك في سيره إلى الله تعالى أن يتحلى بالأخلاق المحمودة، مثل:الزهد، الصدق، الصبر، الإخلاص، الشكر، الورع، التواضع،المحاسبة، التهذيب، الرضا، التوكل، الاستقامة، التسليم، المحبة، التفويض، الحلم، الخوف،المجاهدة، الأدب، المراقبة، الإيثار، المسامحة، الاحترام، العدل، العطف، الكرم، اللين،العلم، الرجاء، الأمل، التفكر، الإحسان، الأمر بالمعروف، مخالفة الهوى، النهي عن المنكر، إكرام الوالدين، الجرأة، إكرام الجار، غض البصر، صلة الرحم، قبول النصيحة، كظم الغيظ، الشفقة، والرحمة، طول الصمت، قلة الضحك، الكسب الحلال، قلة المزاح، إطعام الطعام، حب الخير للغير، كف الأذى، الحياء، إغاثة الملهوف، الأمانة، نصرة المظلوم، التقوى، رد السلام، حسن الظن، العمل بالسنة، إنفاق المال، الوفاء بالوعد، كثرة الذكر، حفظ السر، الدعاء للأحباب، كثرة الاستغفار، الإصلاح بين الناس.

مفتاح باب السير إلى الله تعالى

أجمع علماء السلوك رضوان الله تعالى عليهم على أن تصحيح البدايات يدل على حسن وإشراق النهايات، يقول أحد العارفين: (إذا صح العلم الظاهر ووافق عليه السر الباطن كان معرفة)، وهذا معنى المعرفة عند القوم، ولكل أمر بداية ونهاية، وللطريق مفترق، فمن أخطأ السير فإنه لا يصل إلى الغاية، قال الله تعالى :{وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
أ- كيف نصحح بداية السير إلى الله تعالى؟ 
تُصحح البدايات بالرجوع من الخطأ إلى الصواب، ومنالذنب إلى التوبة، والتوبة هي (رجوع عما كان مذموماً في الشرع إلى ما هو محمود فيه)، وهي مبدأ طريق السالكين، ومفتاح سعادة المريدين، وشرط في صحة السير إلى الله تعالى. 
والتوبة أصل كل مقام، وكمال كل حال، وأساس كل طريق، ولا بد لها من النية. 
ومتى علت همة التائب إلى الله تعالى وثبت صدقه وإخلاصه فيها، كان حقاً على الله تعالى أن يتقبلها ويعينه على الثبات عليها، ويلهمه المتابعة على الطاعة. 
ولا تصح توبة من لم يرَ ذنبه أو رآه على خلاف الحقيقة، لأن ذلك من تزيين النفس الأمارة بالسوء. 
ولذلك كانت التوبة إصلاحاً، وقربة عظيمة لله تعالى، وهي مدعاة لحبه سبحانه، لأن فيها تهذيب للنفس. 
ومن كان صادقاً وراغباً في إصلاح وتهذيب نفسه مع عدم رؤيته لذنبه، فالواجب عليه اتخاذ أخٍ مرشد له صادق في إعانته على الخي والرفعة والرقي امتثالا لقوله تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى}.
ولا يقف السالك عند التوبة من المعصية لأنها توبة العوام، يقول أحد العارفين رضي الله عنهم: (شتان بين تائب وتائب، تائب يتوب من الذنوب والسيئات، وتائب يتوب من الزلل والغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات، وتائب يتوب من كل شيء يشغل قلبه عن الله تعالى)، قال الله تعالى :{إن الله يحب التوابين}.والتواب لغة: المتكررة توبته، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه)، وهذا هو مقام التوبة المستمرة في نية العبد السالك إلى الله تعالى. 
والذنوب الباطنة أشد خطراً وأعظم أثراً على إيمان المسلم، قال الله تعالى :{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، فعمرالذنب الظاهر يكون بقدر مدة وقوعه، فإن تاب المسلم واستغفر وأتبع ذنبه بحسنة فقد محاه. 
أما أثر الذنوب الباطنة فإنها ملازمة لصاحبها في يومه وعمره، فإذا نام المتكبر مثلاً فالكبر ماثل في قلبه، وإذا استيقظ استيقظت معه دواعي كبره، قال عليه الصلاة والسلام (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، ولذلك كانت تنقية القلب وتهذيب النفس من أهم الفرائض العينية، وأوجب الأوامر الإلهية (على قدر صفاء الأسرار تتنزل الأنوار). 
يقول سيدي ابن عليوه قدس الله تعالى سره: إن مقدمة طريق القوم التي يتوصل بها المريد لحقائق العلوم، ويدرك بها معنى الكتاب، ويصير يفرق بها بين الخطأ والصواب هي الاعتقاد والجزم القاطع في ابتدائه لتصير حق اليقين في انتهائه، ويكون غير متردد ولا متوهم في طريقه، وفي توجهه لربه يتمكن بمراده، لأن القوم لا ينفع معهم إلا الصدق والاعتقاد، وإلا يُطرد المريد مع عدم وجود الاستعداد عنده ولهذا قالوا: طريقتنا مبنية على النية والتصديق لا على البحث والتدقيق. 
ب- كيفية التخلص من الصفات الذميمة: (الأمراض والذنوب الباطنة). 
1- نية التوبة منها. 
2- العزم على التخلي عنها بالتحلي بصفة حميدة تقابلها. 
3- مراقبة النفس. 
4-المجاهدة في إزالة الصفة المذمومة كلما ظهرت. 
5- معرفة قواطع الطريق في السير إلى الله تعالى (الخلق والدنيا والنفس والشيطان)، والتي هي سبب من أسباب وجود تلك الصفة المذمومة. 
6- إعداد العدة والتعبئة للوقاية من تلك الأعداء القاطعة عن الطريق، فلا بد من: 
أ- حفظ أبداننا من تلك القواطع ومن سهامها وذلك بلبس درع الإيمان بالله تعالى. 
ب- حمل العلم وإظهاره في وجه تلك القواطع {واتقوا الله ويعلمكم الله}. 
ج- وضوح نية المجاهدة في ذلك بالاستعانة به سبحانه لنيل رضاه في طاعة أوامره وتحقيق شريعة الحق له سبحانه. 
د- تطهير القلب عما سوى الله تعالى، {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم}.
ه- الأخذ بنصائح الذين سبقونا من السالكين المرشدين وصحبتهم. 
و- الثبات والمتابعة في تخطي العلائق والعوائق والعقبات المانعة من وصول السالك إلى مبتغاه. 
ز- الإقبال على الله تعالى بالكلية مع كثرة ذكره وشكره. 
ج- غاية السير إلى الله عز وجل. 
(تركت الناس كلهم ورائي وجئت إليك). 
(اللهم أنت مقصودي ورضاك مطلوبي). 
لكل شيء غاية، فالغاية من الكلام فهمه، والغاية من فهمه العلم به، والغاية من العلم العمل به، وغاية العمل وجود الإخلاص فيه، والغاية من الإخلاص معرفة الله تعالى وتوحيده والغاية من المعرفة الوصول إليه تعالى، وغاية الوصول شهوده سبحانه. فمن لا غاية له لا جِدَّ له، فوجود الغاية التي يهدف إليها كل إنسان هي التي تدفعه إلى الجد والسعي لبلوغ الهدف، وعلى قدر وضوح الغاية يكون السعي والطلب. قال ابن عباس رضي الله عنه وغيره من المفسرين في قول الله تعالى} وما خلقت الجِن والإنس إلا ليعبدون {أي ليعرفون، أي لتكون العبادة الحقة لمن عرف مقام ربه وجلال قدره وكمال صفاته وعظيم قدرته فيطيعه فيما أمر ويجتنب ما نهى عنه 
بثقة واطمئنان ورضا، ويخضع إليه خضوع اللائذ المستجير، مطمئناً واثقاً برحمته تعالى، لا طاعة الخائف من عقابه، الهارب من عذابه، المكره على أمره، ولذلك ورد عند أهل السلوك قولهم (أجمع أهل الحق قاطبة على أن أول الواجبات معرفة الله تعالى، واتفقوا على عدم صحة العبادة لمن لا يعرف معبوده). 
ووسيلة ذلك: صحة السير إلى الله عز وجل ولا يكون إلا بجمع الهمة وتحقيق الإخلاص والعزم على الوصول إلى الغاية المنشودة. وبرهان ذلك: السلوك العملي الصحيح، ولا يظهر هذا السلوك إلا بالأخلاق (التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك بالتصوف). والأخلاق تظهر بالتعامل مع الآخرين، وفي عمل الجوارح طاعة أو معصية أو أخلاقاً. 
الخاتمة
1- إن كل مدع يطالب بالبينة على ما يدعيه، والسالك الحق برهانه الأفعال والأعمال والأخلاق لا الأقوال والاشتهار. 
2- على السالك رد المنظار الكاشف إلى النفس والتدقيق في عيوبها بدل التدقيق في عيوب الآخرين.
3- على المريد ألا يستأنس بصفاء الكأس مع وجود رواسب الأمراض والأدران والأكدار فذاك حال وقتي سرعان ما يزول. 
4- إذا عظم الرب في قلب المريد صغر الخلق في عينه وهو حق اليقين. 
5- للنفس حالتان: الأولى: الحقوق. والثانية: الحظوظ. 
وغاية المجاهدة نفي الحظوظ وإفنائها والبقاء مع الحقوق وإثباتها. 
6- العقل هو القدرة الكاشفة والمخططة، والقلب هو القوة الدافعة والمحركة، فالعلم نور للأول والذكر نور للثاني. 
7- ليس المهم عدد الذكر، إنما المهم المجالسة للحضرة الإلهية أو الحضرة المحمدية للحصول على الأنس بالله تعالى، ووضوح الغاية والمجاهدة يساعدان المريد على ذلك إذا كان استعداده ضعيفاً. 
8- إذا أراد السالك تحسين حالته مع الله تعالى فلا بد له من ربط قلبه بالمرشد، لأن ارتباط السالك قلبياً بقلب مرشده ارتباطٌ بقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتباط قلبه بقلب الرسول عليه الصلاة والسلام ارتباطٌ بالله تعالى (والموصول مع الموصول موصول). 
9- ينبغي على المريد أن يحذر الانتكاس بعد البرء من مرضه، وذلك بفك الحمية قبل أوانها. 
10- يجب على المريد أن يكون حبه لله تعالى خالصاً ومجرداً، لا حباً نفسانياً وشهوانياً، وإلا فالنقطة (وهي ترمز إلى النفس) إذا استعلت ووضعت فوق الحاء أصبح الحب (خباً)،وإذا وضعت تحتها أصبحت (جباً) يقع فيه هذا المحب في الهوى والهلاك.11- حب الله تعالى يكون بالإقبال عليه بالكلية مع طاعته، وحب رسوله عليه الصلاة والسلام يكون بالإتباع والتأسي، وحب أولياء الله تعالى الدالين عليه يكون بالأخذ عنهم والالتزام بتربيتهم ومنهجهم. 
12- على المريد أن يعلم أنه لا يكون داعياً قبل أن يكون مدعواً، ولا يمكن أن يدعو الناس إلى الله تعالى قبل دعوته لنفسه أولاً، فالغافل عن الله تعالى لا ينبه غافلاً، والنائم لا يوقظ نائماً، والجاهل لا يعلم جاهلاً، وفاقد الشيء لا يعطيه (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول). 
13- يجب على المريد تحرير القلب من أخطبوط النفس الأمارة بالسوء، والهروب من الخلق إلى الخالق، ومن الغفلة إلى اليقظة، والتحقق بالاضطرار له سبحانه {ففروا إلى الله}. 
14- القيام بحقوق وواجبات الأخوة العامة والأخوة الخاصة وذلك بالتحابب في الله تعالى والتعاون على طاعته تعالى والسير إليه {إنما المؤمنون إخوة}.
15-ملازمة الأوراد والأذكار والأحزاب حتى يذوق المريد طعم الأنس بالله تعالى، ويصبحلاقلبه محلاً للواردات الملكية والرحمانية بدلاً من الخواطر النفسية والشيطانية. 
يقول سيدي أبو الحسن الشاذلي قدس الله تعالى سره:لمن قرأ أحزابنا فله مالنا وعليه ما علينا. أي لا يصيبه إلا ما يصيبنا. 
16-السالكون على ثلاثة أقسام: 
أ- قسم رجع إلى عاداته وشهواته وحظوظهلافترك الأوراد ورضي بالانتساب. 
ب- وقسم رضي بالأوراد العامة واستقام عليهالاووقف عندها، فهؤلاء من العوام. 
ج- وقسم لازموا الورد الخاص (الله)لاوالتزموا بالسير وأركانه وقواعده، وداوموا على مجالسة مولاهم جل جلاله، واتبعوا سبيل المرشدين، فهؤلاء هم أبناء السلوك الحقيقي وثمراته. 
17- ما فاز من فاز إلا بالأدب، وما حرم من حرم إلا بسوء الأدب. 
يقول سيدي الجنيد رضي الله عنه عن أدب القوم: إنهم يكرهون أن يتجاوز اللسان معتقد القلب. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

انتهى بفضل من الله تعالى وتوفيقه .


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق