آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح (2)

الذكرُ نارٌ لا تُبقي ولا تذر


الذكر نارٌ لا تبقي ولا تذر فإذا دخل بيتاً يقول : أنا لا غيري وهو من معاني لا إله الا الله ، فإن وجد فيه حطباً أحرقه فصار ناراً وإن كان فيه ظلمة كان نوراً فنوّره، وإن كان فيه نور صار نوراً على نور ، والذكر مُذهِب من الجسد الاجزاء الزائده الحاصلة من الإسراف في الأكل ، ومن تناول اللقم الحرام وأما الحاصلة من الحلال فلا يد له عليها ، فاذا احترقت الاجزاء الخبيثه وبقيت الاجزاء الطيبه سمعت من كل جزء ذكراً كأنه ينفخ في البوق ، وأولاً يقع الذكر في دائرة الرأس ، فتجد فيه صوت البوق والكؤوس (أي الطبل) والذكر سلطان إذا نزل في موضعاً نزل ببوقاته وكؤوساته لأن الذكر ضدّ ما سوى الحق فاذا وقع في موضع اشتغل بنفي الضدّ كما تجده في اجتماع الماء والنار.وبعد هذه الاصوات تسمع أصواتاً مختلفه مثل خرير الماء ودويّ الريح وصوت النار اذا تأجّجت وصوت الأرحيه وخبط الخيل وصوت أوراق الأشجار إذا هبّت عليها الريح . وذلك أن الآدمي مركّب من كل جوهر شريف ووضيع من التراب والماء والنار والهواء، والأرض والسماء وما بينهما ، فهذه الأصوات إذ كان كل أصل وعنصر من هذه الجواهر ، ومَن سمع منه شيء من هذه الاصوات فقد سبح الله وقدسه بكل لسان ، وذلك نتيجة الذكر باللسان بقوة الاستغراق ، وربما صار العبد الى حالة اذا سكت عن الذكر تحرك القلب في الصدر حركة الولد في بطن أمه يطلب الذكر .
قالوا : فإن القلب مثل سيدنا عيسى ابن مريم عليهم السلام والذكر لبُنه ، واذا كبر وقوي صعد منه حنين إلى الحق ، وصوت صعقات ضرورية شوقاً الى الذكر والمذكور.
وذكر القلب شبه رنة النحل ، لا صوت رفيع مشوش ولاخفيٌ شديد الخفاء ، وإذا استمكن المذكور من القلب وانمحى الذكر وخفي ، فلا يلتفت الذاكر إلى الذكر ولا إلى القلب ، فإن ظهر له في أثناء ذلك التفات إلى الذكر أو إلى القلب فذلك حجاب شاغل ، وذلك هو الفناء وهو أن يفنى الإنسان عن نفسه ، فلا يحسّ بشيء من ظواهر جوارحه ولا الأشياء الخارجه عنه ، ولا العوارض الباطنة فيه ، بل يغيب عن جميع ذلك ويغيب عنه جميع ذلك ، ذاهباً الى ربه أولاً ، ثم ذاهباً فيه أخرى ، فإن خطر له في أثناء ذلك أنه فني عن نفسه بالكلية فذلك شوب وكدورة والكمال أن يفنى عن نفسه وعن الفناء ، والفناء عن الفناء غاية الفناء أول الطريق ، وهو الذهاب الى الله تعالى ، و (إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ) كما قال عليه الصلاة والسلام : (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الصافات : 99]. وهذا الاستغراق قلّما يثبت ويدوم فإن دام فصار عادة راسخة ، وهيئة ثابته عرج به إلى العالم الأعلى وطالع الوجود الحقيقي الأصفى ، وانطبع له نقش الملكوت وتجلى له قدس اللاهوت وأول ما يتمثل له من ذلك العالم جواهر الملائكة ، وأرواح الأنبياء والأولياء في صورة جميله تُفاض عليه بواسطتها بعض الحقائق وذلك في البداية إلى أَنْ تعلو درجته عن المثال ، ويكافح بتصريح الحق في كل شيء ، فهذه ثمرة لباب الذكر ، وإنما مبدؤها ذكر اللسان ثم ذكر القلب تكلُّفاً ثم ذكره طبعاً ، ثم استيلاء المذكور وانمحاء الذكر وهذا سرّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (مَن أحبَّ أن يرتع في رياض الجنّة ، فليُكثِر ذكر الله) . بل سرّ قوله صلى الله عليه وسلم :(يفضل الذكر الخفي على الذكر الذي لا تسمعه الحفظة سبعين ضعفا) وعلامة وقوع الذكر إلى السر غيبة الذاكر والمذكور فذكر السر الهيمان والغرق فيه ، ومن علاماته أنك إذا تركت الذكر لم يتركك وذلك طيران الذكر فيك لينبّهك عن الغيبة إلى الحضور.
ومن علاماته شدّ الذكر رأسك وأعضاءك جميعها ، فتكون كالمشدود بالسلاسل والقيود، ومن علاماته أنه لا تخمد نيرانه ، ولا تذهب أنواره بل ترى أبداً أنوار صاعدة ، وأخرى نازلة والنيران حواليك صافية تتأجّج وتتقد ، وإذا وقع الذكر إلى السر يكون الذكر عند سكوت الذاكر كأنه غرز الإبر في لسانه ، أو أن وجهه كله لسان يذكر بنور فائض عنه.

دقيقة : اعلم أن كل ذكر شعر به قلبك تسمعه الحفظة ، فإن شعورهم يقارن شعورك ، وفيه سر حتى إذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك في المذكور الكليه يغيب ذكرك عن شعور الحَفَظَة.
تنبيه : ذكر الحروف بلا حضور ذكر اللسان ، وذكر الحضور في القلب ذكر القلب ، وذكر الغيبة عن الحضور في المذكور ذكر السر وهو الذكر الخفي . 


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية