آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

المولد النبوي والدلالات المعنوية لاسمه ونسبه

المولد النبوي والدلالات المعنوية لاسمه ونسبه

إن الاصطفاء الذي خص الله به النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد كان كما سبق وبينا حماية لكل من حمل بذرته أو جاوره أو بشر به حتى وصلت مرحلة خروجه إلى 
عالم الشهادة.

فسيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد يصل نسبه إلى عدنان ثم إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

ولد في زمن الملك العادل وفي عام الفيل وتكامل عند ولادته الزمن القمري والشمسي على صفة موحدة وأعداد وحساب متطابق حيث سر اعتدال الكون وكمال دورته كما سبق وبينا. وذلك أن ولادته صلى الله عليه وسلم حسب التقويم الفلكي عند المختصين قد جاءت عندها مناسبة دقيقة بين الشهور القمرية والشهور الشمسية وفصولها.

فلقد تمت ولادته في يوم الاثنين 12 ربيع الأول وهي تناسب 20 أبريل نيسان من السنة الشمسية، وهذا فيه إشارة إلى تناسب ذوقي ووجودي قد يتطلب منا وقفة نحو التأمل والتسليم بما طرحناه من قبل من علاقة وطيدة بين العدل والاعتدال في المعنى والمبنى والغاية وتحقيق شموليته بصورة التوازن الكلي في الوجود بسبب حضوره صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا.

فالربيع في الشهر القمري قد قابل صفة وفصل الربيع في الشهر الشمسي من حيث الدلالة على الاعتدال والكمال، كما أن اليوم الثاني عشر من الشهر القمري الذي رجحه غالبية أهل السير مع بعض الاختلافات الطفيفة (20) قد وافق اكتمال البدر في دورته وتوهجه. في حين أن العدد 12 قد يشمل شهور السنة الكاملة بما فيها الشهور القمرية والشمسية على حد سواء، وهذا يعني شمولية الكمال والاكتمال في مظاهر الكون عند ولادة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا إذا اعتبرنا يوم الاثنين كمنطلق العد لأيام الأسبوع من سبيل الدلالة على ابتداء الدورة الزمنية ومركز قوة النشاط الإنساني وكماله في كل أيام الأسبوع...

فبعدما تحدثنا عن الإرهاصات الكونية والتحركات الشعورية وغير الشعورية ذات المؤشر القوي على قرب تحقق دعوة سيدنا إبراهيم وبشارة عيسى عليهما السلام سيأتي دور اللقاء المباشر مع الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لقاء سيكون أول من شعر به وأدرك خصوصيته في قرارها المكين والطاهر : أمه آمنة بنت وهب وهي التي عبرت عنه بثقة كاملة ويقين جازم حينما خافت عليه حليمة السعدية مرضعته كما سنرى، وردته إلى أمه رمز الأمان والاطمئنان، فقالت لها ولزوجها :{أخشيتما عليه الشيطان ؟ كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل والله كأن لابني هذا شأن، ألا أخبركما خبره ؟ قلنا : بلى ! قالت : حملتُ به فما حملتُ حملا قط أخف منه، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام. ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء فدعاه عنكما}، رواه ابن إسحاق. وهذا الحديث كما يعبر ابن كثير قد روي من طرق أخرى وهو من الأحاديث المشهورة والمتداولة بين أهل السير والمغازي (21).

إن هذا الوعي بخصوصية النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية حمله حتى ولادته قد كان حاضرا في الكون كله شعوريا أم غير شعوري ! إلا أنه قد يتفاوت من شخص إلى آخر ومن كائن إلى كائن، وبالتالي فقد كانت تتجادبه البوارق واللوائح والإشارات سواء كانت نفسية أو حسية أو إنسية أو جنّية، عاقلة أم جامدة.

فأم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب قد كانت أول من شعر به وأدرك خصوصيته إلا أنها لم تكن تعلم سره، فهو متميز في حمله وبيسره وبركته، متميز في ولادته وخروجه إلى عالم الشهادة والكون المرئي، إلا أن تعبيرها قد جاء بوعي وإدراك باطني بأن هذا المولود الذي رزقها الله إياه لم يكن من جنس الظالمين ولا الفاسقين ولا من فصيلة الشياطين، بل هو مضاد كل التضاد لهذه النماذج الشريرة والمعهودة على وجه الأرض.

من هنا فهي قد كانت آمنة مطمئنة عليه، وهذا فيه تناسب مهم بين اسمها وحالتها الباطنية التي زودها به نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولِم لأنه قد أعطى لها بحضوره في دائرة رحمها أمانا من العذاب والآلام التي يمكن أن تتعرض لها كل امرأة حامل، أمنا من أن يتجرأ عليها إنس أو جن بإذاية أو نكاية، أمانا من الخوف الذي يمكن أن يسببه لها ظلام الكون وظلم الكائنات.

هذا الأمان قد جاء من باب الموهبة التي وهبها الله تعالى إياها. وهنا قد نقرأ سيمائيا وجه العلاقة بين اسمها آمنة واسم أبيها وهب وهو من الهبة الذي قد يختص بها الوهّاب الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى بعض من يحبهم و يكرمهم بغير حساب من عباده .

وبالمقابل فقد كان اسم أب النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ،عبد الله في الاسم و الرسم سيلد عبد الله في الحقيقة والجوهر ألا و هو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم الذي وصفه الله تعالى بالعبودية في قوله :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} أي انه كله عبودية ، وسفره من مكان للعبادة الى مكان للعبادة الى حضرة المعبود فما فوق سدرة المنتهى... ومن هنا قد جاء مقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقم الشكر الدي عبر عنه قولا و عملا و حالا : (أفلا اكون عبدا شكورا ؟).

والشكر هو عين الحمد، والحمد هو أصل اسمه صلى الله عليه وسلم محمد الذي هو كله فضل وخصوصية ورحمة وهبة من الله تعالى كما وصف نفسه بها حينما قال :(إنما أنا رحمة مهداة).

يقول محمد بن إسحاق، فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها : {إنك قد حملت بسيد هذه الأمةن فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد من كل بر عاهد وكل عبد رائد يذوذ عني ذائذ فإنه عند الحميد الماجد حتى أراه قد أتى المشاهد.
وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور كسرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه محمدا، فإن اسمه في الثوراة أحمد، حمده أهل السماء وأهل الأرض، واسنه في الإنجيل أحمد بحمده اهل السماء وأهل الأرض واسمه في القرآن محمد}(22).

فسواء كانت هذه الرواية صحيحة أم أنها من نسج خيال وتأويل أهل السير إلا أنها حقيقية في معناها ودلالتها ولها شواهد من النصوص القرآنية والحديثية الصحيحة والقطعية الثبوت والدلالة.

فأم النبي صلى الله عليه وسلم قد رأت نورا ووعت بخصوصيته وأنه سيكون له شأن وهذا نوع من الحدس والحكم المبني على مقدمات تؤكد أن وجوده وهو علقة في بطن أمه قد كان متميزا، كما أن خروجه إلى الوجود المرئي وهو مولود ورضيع قد كان أيضا كذلك. غير أن سر نوره صلى الله عليه وسلم الذي أشرق على أمه آمنة ووهبها الأمان والاطمئنان عليه سيشع على محيطه ومن حضر من النساء عند ولادته كما يروى عن عثمان بن أبي العاص قال :{ حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت : فما من شيء أنظره في البيت إلا نور، وإني أنظر إلى النجوم قد تدنو حتى إني لأقول لتقعن علي}(23).

هكذا ينتقل الخبر بأسرع من البرق، منه ما بلغه عنه قابلاته وحواضنه ومنه ما اقتبس من حركات كونية وإرهاصات اجتماعية وسلوكية قد كان يحتفظ بإشارتها وصريحها أهل الكتاب من اليهود والنصارى آنذاك، كما أن هناك كائنات غير مرئية كانت تسترق السمع وتترصد الخبر حول زمن ظهور هذا النبي الخاتم والكامل المكمل للرسالات والنبوات، كان على رأس تلك الكائنات عنصر الجن والشياطين قد تزعمهم إبليس لعنه الله تعالى والذي رنَّ كما سبق ذكره رنة لم تصدر عنه مثلها من قبل أو بعد.

ولا نريد أن نكرر ما حدث من تغيرات كونية وبيئية وسياسية في الأرض بمجرد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قصدنا هنا هو إدراك عنصر المناسبة والتناسق بين وجوده ومحيطه وكيف أن ذاته الشريفة قد تنعكس على أدبيات التعبير والأوصاف واختيار الألفاظ والأسماء بصورة ذوقية وجمالية كلها لها دلالاتها التوحيدية والتعلق الكلي بالحضرة الإلهية.

إذ فيما يخص اسمه الشريف "محمد" وهو رأس المعاني والأسماء فقد يذكر بأنه لما كان يوم السابع من ولادته ذبح عنه جده عبد المطلب ودعا له قريشا، فلما أكلوا قالوا : {يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته ؟ قال : سميته محمدا. قالوا : فما رغبت به عن أسماء أهل بيته ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض}.

قال أهل اللغة : كل جامع لصفات الخير يسمى محمدا، كما قال بعضهم : 

إليكَ - أَبَيْتَ اللَّعْنَ - أَعْمَلْتُ نَاقَتِي
إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْكَرِيمِ الْمُحَمَّدِ.

وقال بعض العلماء ألهمهم الله عز وجل أن سموه محمدا لما فيه من الصفات الحميدة ليلتقي الاسم والفعل ويتطابق الباسم والمسمى في الصورة والمعنى كما قال عنه أبو طالب ويروى لحسان :
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ
فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ (24)

ويقول القاضي عياض في كتابه "الشفاء" حول اسم النبي وظهوره : وأما أحمد الذي أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك.

وكذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم، إلى أن شاع قبيل وجوده وميلاده أن نبيا يبعث اسمه محمد، فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو ، والله أعلم حيث يجعل رسالاته}(25).

**    **    **
20 - محمد الخضري بك : نور اليقين ص 17
21 - ابن كثير : السيرة النبوية 1ص228
22 - نفس جص206
23 - نفس ج1ص207
24 - نفس ج1ص211-210
25 - القاضي عياض : الشفا بتعريف حقوق المصطفى 

الدكتور محمد بنيعيش

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق