آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تُحفةُ السَّالِكِين ودَلاَلَةُ السَّائِرِين لِمنْهَجِ المُقَرَّبِين -12

قالوا : ويجب عليه أن يصعد لا إله الا االله بالقلب اللحمي الكائن بين عظم الصدر والمعدة ويميل رأسه إلى الجانب الأيسر مع حضور القلب المعنوي وأن يحضر معنى الذكر كل مرة بقلبه فإن كان الغالب عليه ظهور البشرية والوسواس فعليه أن يقول بلسانه "لا إله الا االله" وبقلبه "لا معبود إلاّ االله" ولصفاء القلب وطلب شيء من المعرفة والشوق والذوق فعليه أن يقول بلسانه "لا إله الا االله" وبقلبه "لا مطلوب الا االله" ولنفي الخواطر كلها يقول "لا إله الا االله" وبقلبه "لا موجود إلا االله" لمشاهدته له وليحذر من اللحن في "لا إله إلا االله "لأنها من القرآن قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[المزمل-4]، وقال عليه السلام : (ربَّ قارىء والقرآن يلعنه)[إحياء علوم الدين تلاوة القرآن] فهي كلمة من القرآن يجب تجويدها على تاليها ومعرفة مبانيها ومعانيها فيمد على اللام بقدر الحاجة ويحقق الهمزة المكسورة بعد ولا يمدّ عليها أصلاً ويفتح هاء إله فتحة خفيفة ولا يفصل بين الهاء وبين إلاّ االله وإياك أن تتهاون في تحقيق همزة إله فإنك إذا لم تحققها قلبت ياء وكذا همزة إلا وتسكن آخر لفظ الجلالة وسيأتي مزيد تحقيق لذلك.


قال سيدي يوسف العجمي : وما ذكره الأشياخ من هذه الآداب للذاكر محلّه في المريد الصاحي المختار المكلَّف بالشرع، أما مسلوب الاختيار فهو مع ما يردُ عليه من الأسرار والأذواق واللوامع والأنوار، فقد يجري على لسانه االله االله هو هو أو لا لا أو آه آه أو عا عا أو ها ها و بي بي أو بوبو أو صوت بغير حرف أو اختباط أو انصراف أو بكاء أو صراخ أو نحوه، فآدابه عند ذلك التسليم للوارد يتصرّف كيف يشاء، فإذا انقضى من الوارد فآدابه السكوت من غير تعقُّل ولا تصنُّع مع السكوت ما استطاع متلقياً للوارد فهو تحت حكم الوارد لا تحت حكم نفسه وحظِّه، وقد تتفِق هذه الأنواع للمريد الصادق في مجلس واحد فتنقلب عليه أحوال الواردات وهو ساكن لا يتحرَّك لشجاعته. وهذه الآداب تلزم الذّاكرُ بلسانه مدَّة عمارة باطنهِ أمَّا الذّاكر بقلبه فلا يلزم من ذلك شيء.


 فإن قيل : الذكر مفرد أنفع أو جماعة ؟ فالجواب : إنه منفرداً أنفع لأصحاب الخلوة وجماعة أنفع لمن لا خلوة له، فإن قيل : هل الذكر جهراً أنفع أو السر ؟ فالجواب : الجهر أنفع لمن غلبت عليه البشرية والوسواس والقسوة من أصحاب البدايات، والسرُّ أنفع لمن غلبت عليه الجمعية وشاهد الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة من أصحاب السلوك. فإن قيل : إفراد لا اله الا االله أفضل أم بزيادة محمد رسول االله ؟ فالجواب : إفراد لا إله إلا االله أفضل للسالكين حتى تحصل لهم الجمعية مع االله بقلوبهم فإذا حصلت فذكر محمد رسول االله معها أفضل وبيان ذلك أنَّ محمداً رسول االله إقرار تكفي في العمر مرة واحدة والمقصود من تكرار التوحيد كثرة الجلاء للقلب فيزول الران والشبه والشرك الخفي ورؤية الأغيار بكثرة التوحيد فإذا زال ذلك حصلت له الجمعية والمعية مع االله ورسوله من غير فرق فيرى الوحدة ويرى فضلها لا غير فيحصل له كمال المشاهدة حينئذ يصلح له ذكرهما معاً.


وأمَّا الثلاثة الآداب التي عقب الذكر فأوَّلُها : أن يسكن إذا سكت ويخشغ ويحضر مع قلبه مترقِّبَاً لوارد الذكر فلعلَّه يردُ عليه وارد فيعمر وجوده في لمحة أكثر ما تعمره المجاهدة والرياضة في ثلاثين سنة وذلك أنَّه كان الوارد وارداً زاهداً فيجب عليه التمهُّل فيه حتى يتمكَّن فيه الزهد ويصير يتنغَّصُ إذا فتح عليه بشيء من الدُّنيا عكس ما كان عليه أولاً أو ورد عليه وارد تحمَّل أذى فيجب عليه التَمَهُّل فيه حتى يتمكَّن ويستحكِمْ ويصير إذا قام عليه الوجود كلَّه بالأذى لا تتحرَّك منه شعرة كما لا يتحرَّك الجمل من نفخ ناموسة؛ لأنه شاهد الأغيار أمثال أَفْياء في ذلك الوارد ورأى االله للكُلِّ فاعلاً، وهكذا من وارد علم وفتح وحب ومراقبة بخلاف ما إذا لم يترقَّبْ حصول شيء من ذلك فإنَّه لا يحصل له تحقّق بذلك المقام الذي أتى به الوارد قال تعالى:﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾[التوبة-60] فهذه المسكنة وقت إخراج الصدقات للفقراء والمساكين لا الأغنياء والمتكبرين، فإذا لم يكن عند الذاكر اشتياق وافتقار وطلب شيء لا يعطاه قال الغزالي : "ولهذه المسكنة ثلاثة آداب : أن يستحضر العبد أن االله مطَّلِعٌ عليه وهو في قبضته وبين يديه، وأن يجمع حواسه بحيث لا يتحرَّك منه شعرة واحدة كحال الهرَّة عند اصطياد الفأرة، وأن ينفي الخواطر كلَّها ويجري معنى االله االله على قلبه وهذه الآداب لا تتمُّ المراقبة إلاَّ بها. ثانيها : أن يلزم نفسه مراراً من ثلاثة أنفاس إلى سبعة إلى أكثر بحسب قوّة عزمه وهذا كالمجمع على وجوبه عند الأشياخ حتى يدور الوارد في جميع عوالمه فَتُنَوِّر بصيرته وينقطع عنه خواطر النفس والشيطان وتكشف له الحجب. ثالثها : منع شرب الماء عقب الذكر فإنَّ الذكر يورث حرقة وهيجاناً إلى المذكور والذي هو المطلوب الأعظم من الذكر وشرب الماء يطفىء تلك الحرارة فليحرص الذاكر على هذه الثلاثة آداب فإن نتيجة الذكر لا تظهر إلاَّ بها.


أول  السابق   التالي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق