آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح بردة البوصيري


مخطوطة :
العنوان : شرح قصيدة البردة للبوصيري

المؤلف : السوسني ، على بن رسول

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله المتوحِّد والعظمة والكبرياء * المتفرد بدوام العزّة والبقاء
المتحمّد بالمجد والبهاء * المتمدّح بالكمال والثناء
المتعزّز بالجلال والعلاء * المنزّه عن التغيّر والفناء
المقدّس عن الأمثال والأكفاء * أَحْمده على النعماء وأشكره على الآلاء
والصلاة على رسوله محمد أفضل ألأنبياء * وعلى آله وأصحابه خيرَ الأولياء

أمّا بعد : فيقول العبد الفقير إلى الله الغني علي بن رسول السّوسني : لمّا رأيتُ القصيدة المشهورة ببردة المديح للشيخ الإمام شرف الدين محمد البوصيري رحمه الله تعالى فائقة على سائر القصائد، وكان مدح النبي صلى الله عليه وسلم لها ترشجا وتزيينا شرحتها شرحاً مختصرًا مفيدًا مشتملا على بيان أبياتها وإيضاح معانيها فجاء كلامًا لا عوج فيه ولا ارتياب، ولا بحلجة ولا اضطراب بكرا من أبكار الجنان، لم يطمثها قبله إنس ولا جان،    فأردت أن أزفّها إلى كفؤ لا يوازن ولا يوازى ليغلى مهرَها ويُعلى قدرهَا. وكنتُ أحيل رأي وأردِّدُ فكري وأوامر نفسي وأشاورُ ذا النُّهى فيه فأشار إليّ من سعد بلطف الحق أن أزفّها إلى حضرة من هو غنيّ من أن يُباهى وأجَلُّ مِنْ أنْ يُباهى علَيهِ، وهو أعظم وزراء العباد، وأشرف مَن سَاسَ البلاد، وأقمع للكفر وأهدى للرشاد، وأعلاهم منزلا ومكانا وسدادًا، وأنداهم راحةً وبانا وانقيادًا، وأشجَعُهُم جَأشًا وجَنانًا، وأقواهم دينًا وإيمانًا، وأروعهم سيفًا وسنانا، وأشملهم عدلًا وإحسانًا، شيَّد قواعد الدين بعدَ أن كادت تنهدِم، واستبقى حَشاشةَ الكرم حتى أرادت تنعدم، ورفع رايات المعاني آوان اهزت الانكاس، وجدّد أحكام الشريعة وقد آذنت بالاندراس، الوزير الأعظم، سحابُ الجود والكرم أبو النصر محمد لا زالت آماله مقبلةً إليه وأعداؤه منكوسة لديه.

ولمّا كانت القصيدة مشتملة على براعة المطلع وهي أن تفتح بذكر ما يلائم المقصود وعلى مضامينَ أوّلها التغزل، والثاني : التلهّف والأحزانُ، والثالثُ : الاعتراف بالغفلة والعصيان، والرّابع : الموعظة الحسنة، والخامسُ : الجدال والبُرهان، والسادسُ : المدح والثناء، والسابع : الآثار والمعجزات، والثامنُ : تصحيح الاعتقاد وتحقيق وظائف المبدأ والمعاد، والتّاسعُ : الدّعاء والمناجات والابتهال، والعاشرُ : إظهار الخوف والرجاء في الملأ. جرَّد النَّاظِمُ من نفسِهِ شخصًا مزج دمعه بدمه فسأله عن علّة ذلك فقال مخاطبًا لهُ :

أمِـــنْ تَـــذَكُّرِ جِـــيـــران بِـــذِي سَـــلَمٍ. * مَــزَجْــتَ دَمْــعـاً جَـرَى مِـنْ مُـقْـلَةٍ بِـدَمِ
أمْ هَـبَّتِ الريـحُ مِـنْ تِـلْقـاءِ كـاظِـمَةٍ     * وأوْمَـضَ البَـرْقُ فِـي الظـلْماءِ مِنْ إضَمِ

(التّذكر) مصدر تذكر وهو ضد النسيان، و(الجيران) جمع جار والمراد هنا الجنّة، و(ذي سلم) اسم مكان بين مكّة والمدينة، و(المزج) الخلط و(الدمعُ) اسم جنس واحدهُ دمعة كثمرة وهي ماء يقطر من العين (جرَى) أي سأل و(المُقلة) شحمة العين التي هي سواد العين وبياضها و(أمْ) عاطفة متصلة لإثبات أحد الأمرين المستويين لا يقع إلّا في الاستفهام مع الهمزة، و(كاظمة) اسم طريق إلى مكّة و(إضم) واد دون المدينة و(من تذكر) متعلق بمزجت تقدم عليه لاقتضاءِ الاستفهام صَدر الكلام وَ(أَمْ) عطفٌ عليه.

والمعنى : أمن تذكر الأحباب بذي سلم، خلطت دمعًا جرى من مُقلة بدم، أمْ هاجتِ الريح من تلقاءِ أي حذاء كاظمة فجائت برائحة الأحبّة، ولمع البرق في الظّلماء من ذلك الوادي فظهر به مكانهم، فخلطت من ألم الفراق دَمعًا بِدَمِ.


      

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية