آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح أنوار السرائر وسرائر الأنوار -18

شرح أنوار السرائر وسرائر الأنوار -18
ويقرب من قول الناظم ومن بعده الشيخ قول الإمام أبي حامد رضي الله عنه، فإذْ أُقدِّم هذه الشروط الأربعة، يعني التجرد من المال والجاه والتقليد والمعصية، كمن تطهّر وتوضأ ورفع الحدث وصار صالحًا للصلاة فيحتاج إلى إمامٍ يقتدي به، فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض وسبُل الشيطان كثيرة ظاهرة، ومن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان لا محالة إلى طرقه، فمن سلك البوادي المُهلكة بنفسه من غير خبير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على القرب وإن بقيت مدّة وأورقت لم تُثمر.

وقوله : "يلقى مراد الحق بالسرور والجهر" يعني يبين ويوضح مراد الله للمريد في ظاهره وباطنه، أمّا في ظاهره فيسلك به طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تستقيم أقواله وأفعاله، وتتضح له متابعته، وتقع في كل شيء معه مرافقته، قال بعضهم : "استجيبوا لله بسرائركم وللرسول صلى الله عليه وسلم بظواهركم".

وأمّا في باطنه، فيسلك به طريق التزكية، فيؤدبه ويهديه ويعرفه بآفات نفسه، ويسوسه كما كان من قبل يسوس نفسه، ولا يزال به إلى أن يقطع منازل آفاتها وتتبدّل أخلاقها ونعوتها ويحكم أساس التقوى ويباعدها عمّا تهوى، فتزكوا نفسه وتنجلي مرآة قلبه فتنعكس فيها أنوار العظمة الإلهية، وتنجذب احداق بصيرته إلى مطالعة الكمالات الأزلية وتنجلي أيضًا فيها الأشياء على هيئتها وماهيتها فتبين له الدنيا بقبحها وتظهر له الآخرة بحسنها فيزهد في الفاني لِما عاين من الباقي، وينكشف له عوار هذه الدّار ويزول عنه الاغترار، ويظهر له بواظن الأسرار، ويصير مؤمنًا حقًّا وعبدًا صرفًا. وأصل هذا الشرط قوله في المعارف : ورد في «الخبر» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَئِنْ شِئْتُمْ لَأُقْسِمَنَّ لَكُمْ، إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ الَّذِينَ يُحَبِّبُونَ اللهَ إِإِلَى عِبَادِهِ، وَيُحَبِّبُونَ عباد الله إلى الله، وَيَمْشُونَ فِي الْأَرْضِ بِالنَّصِيحَةِ».

وهذا الذي ذكره رسول الله هو رتبة المشيخة والدعوة إلى الله ؛ لأن الشيخ يُحَبب اللهَ إلى عباده حقيقة، ويحبب عبادَ الله إلى الله، ورتبة المشيخة من أعلى الرتب في طريق الصوفية، ونيابة النبوة في الدعاء إلى الله، فأما وجه كون الشيخ يُحَبب اللهَ إلى عباده لأن الشيخ يسلك بالمريد طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صَحَّ اقتداؤه واتباعه أحبه الله تعالى.


ووجه كونه يحبب الله تعالى إلى عباده لأنه يسلك بالمريد طريق التزكية، وإذا تزكت النفس انجلت مرآة القلب، وانعكس فيها أنوار العظمة الإلهية، ولاح فيها جمال التوحيد، وانجذبت أحداق البصيرة إلى مطالعة أنوار جلال القدم، ورؤية الكمال الأزلي، فأحب العبد ربَّه لا محالة، وذلك ميراث التزكية.

قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9]. وفلاحُها بالظفر بمعرفة الله. وأيضًا مرآة القلب إذا انجلت لاحت فيها الدنيا بقبحها وحقيقتها وماهيتها، ولاحت الآخرة ونفائِسُها بكنهها وغايتها، فتنكشف للبصيرة حقيقةُ الدارين وحاصل المنزلين، فيحب العبد الباقيَ، ويزهد في الفاني، فتظهر فائدة التزكية وجدوى المشيخة والتربية، فالشيخ من جنود الله تعالى، يرشد به المريدين، ويهدي به الطالبين.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق