آخر الأخبار

جاري التحميل ...

المُحبّ والمحْبوب للشيخ أحمد العلاوي


المُنْتسبون إلى الله طبقات: مُحبّ ومحبوب، أو نقول: طالب ومطْلوب. فالمُحبّ معذّب بحُبّه لأنّهُ يشتهي القرب، يتقلّبُ على جمْر الشّوق، مُتألّم بآلام العشق، لا يلتذّ به جنْب ولا ظهْر.


يقول الشيخ عبد القادر الجيلي، رضوان الله عليه: "والمحْبوبون سكارى لا يصحون إلاّ بمُشاهدة محبوبهم، مرْضى لا يشْفوْن إلاّ بمُلاحظة مطلوبهم، حيارى لا يأنسون بغير موْلاهم، ولا يلْهجون بغير ذكره، ولا يُجيبون غير داعيه".


فهذا حالُ المُحبّ مُتعذّب في حُبّه، وأمّا المحْبوب فهو مُتنعّم بقُرْبه، حيْثُ ارتضاهُ الحقّ وجذبهُ لحضرته، فصار يتنعّمُ في رياض القُرب والمُشاهدة، لم يتحمّل شيئا من أنواع المُكابدة والمُجاهدة، اختصّهُ الحقّ تبارك وتعالى بمحبّته لهُ من صنْف قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ}[المائدة:54]. وأمّا الأوّل، وهو المُحبّ المُعذّب في حُبّه، داخل في صنْف الشقّ الثّاني من قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54].


قال في الحكم العطائيّة: "قوْم أقامهُم الحقّ لخدْمته، وقوم اختصّهُم بمحبّته"،{كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}[الإسراء:20]. قال شارحُها: الحقّ تعالى له الإختيار التّام والمشيئة النّافذة، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:23].


المحبّة على قسمين: فهي لأهل البداية شوق لله وطلب الوصول إليه. وعند أهل النّهاية الحُضور معه والأنس به، فتكون على هذا شوقا واشتياقا.


فالمُريد في شوق إلى لقاء المحبوب، ومُتعب يتقلّب على جمر المُماطلة، لن يصفو له الوقت، وكيف يصفو له الزّمان وهو بين شوق وامتحان، هذه حالة أهل القسم الأوّل. وأمّا الواصلون وهم أهل القسم الثّاني، فإنّهم يكونون في اشتياق، لأنّ الشّوق ينتهي بمُلاقاة الحبيب، وأمّا الاشتياق فيزداد صاحبه بعد الوُصول إليه لهيبا. فالأوّل مُتعذّب في حُبّه، والثّاني مع وُجود اللّهيب يتنعّم بقُربه.


المحبّة نار مهْما وقعت على شيء في الطريق إلاّ وقطعته وأحرقته، وهي {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}[الهُمزة:06-07]، فمن وجدها وجد مطْلوبه ولو كان من وراء الثّريّا، لأنّها تحملُه وتقطع به وتأخذه وتنهض به. ولهذا يُقال: "صاحبُ النيّة سيّار، وصاحبُ المحبّة طيّار".


وحاصل الأمر: إنّ المحبّة أصل عظيم في الطريق، فمن حصل عليها حصل على الخير لا محالة، لأنّها تنوب عن بقيّة الخصال ولا ينوب عنها غيرها.


فـهـات لـي حُـبّـا أفـوز به*وخُذ ما شئت دون المحبّة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية