آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ذكر الله وتحصيل الحضور

2 - تسبيح الموجودات العلوية لله تعالى : وأشار القرآن الكريم لهذا في ذكره لتسبيح السماوات ومن فيها لله عز وجل، قال تعالى : {تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ}1.

3 - تسبيح الظواهر الطبيعية : وذكر القرآن الكريم منها الرعد لأنه أكثرها وقعا على نفس الإنسان، قال تعالى : {يُسبّحُ الرعدُ بحمدهِ والملائكةُ من خِيفتهِ}2.

4 - تسبيح الطير والأرض وما فيها : وأشار إلى تسبيح الطير هنا لزيادة التأكيد على أن هذا الكائن الذي يعيش بين فسحة الفضاء وضيق الأرض هو أيضا قائم بأمر الله في الذكر، قال تعالى : {ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ والطَّيْرُ صافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ}3. وقوله تعالى : {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ}إشارة إلى أن كل كائن له صيغته الخاصةبه في صلاته وتسبيحه التي ألهمها الله إياه. وقال أيضا في شأن الأرض : {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}4.

5 - تسبيح الوجود كله : وهذا المعنى شامل لكل شيء أوجده الله تعالى، قال تعالى : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}5.

إلا أن الإنسان وحده، وهو الذي يسبح بالفطرة باعتباره شيئا من أشياء الوجود، طلب من باب التكليف أن يذكر ليحقق الانسجام مع سنة الذكر المودعة في الكائنات بحيث إذا خالفها طرأ عليه تصدع وجودي أو ضنك معيشي بهذا السبب؛ لأن سنة الله إذا سار الإنسان معها وجد في ذاته تناسقا كليا مع الموجودات بأسرها فيعود إلى فطرة الذكر التي فيه ويتآلف مع كل شيء، قال تعالى في شأن نبيه سيدنا داوود عليه السلام : {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ}6.

وهذا الانسجام مع الجبال والطير في الذكر هو عنوان الرجوع إلى الفطرة حين ممارسة الذكر بالتكلف، وهو عربون الطهر والصفاء الروحي الذي عاشهما النبي الكريم كنموذج حي لحتمية الانسجام (...) وهذا أثر عنه قوله : (إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي دونهم فإنها نعمة تنعم بها علي)7.

ولتحقيق هذه الحتمية، فإن الحال الغالب على الأنبياء والمرسلين كان هو ذكر الله عز وجل، إذ يروى عن سيدنا موسى أن الله تعالى أوحى إليه : (إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك ، وكن عند ذكري خاشعا مطمئنا ، فإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك)8.

وقد أمر الله نبيه يحيى بن زكريا أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات منها ذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم وكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى.9

وأخرج الإمام مالك في "كتاب الكلام" ومسلم في "كتاب البر والصلة" أن عيسى بن مريم كان يقول : (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية)10.

ولهذا كان سيد الوجود عليه السلام يذكر الله على كل أحيانه، وبذكره هذا تحقق له الانسجام مع كل شيء، فأحبته الجبال - ومنها أُحُدًا - وأحبها، وحدثته الموجودات - وهذا باب واسع فصل فيه القاضي عياض في الشفا - وتحقق ثلة من الصحابة بهذا الانسجام فعلا وحالا، فسبح الطعام في بطنه وبطونهم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (لقد كنا نسمعُ تسبيح الطعام وهو يُؤكل) وفي رواية عنه :(كنا نأكل الطعام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيحه)11.

وسبح الحصى في كفه عليه السلام، روى أنس بن مالك قال : (أخد النبي صلى الله عليه وسلم كفًّا من حصى فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيح، ثم صبّهن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبحن، ثم في أيدينا فما سبحن)12.

وفي رواية أبي ذر ذكر أنهن سبحن في كف عمر وعثمان رضي الله عنهما، فيكون الانسجام مع الوجود رهين بذكر الله وتسبيحه؛ وإلا فالاضطراب والقلق اليومي وأمراض العصر النفسية والوهمية ناتجة عن الاصطدام الحاصل بين سنة الذكر الفطرية المودعة في الكائنات وبين بدعة الغفلة عن الله وترك الذكر.
***
1 -الإسراء - الآية 44
2 - الرعد - الآية 13
3 - النور - الآية 41
4 -الإسراء - الآية 44
5 -الإسراء - الآية 44
6 - ص - الآية 18
7 - كتاب إحياء علوم الدين
8 - جامع العلوم والحكم ص 420
9 نفس المصدر ص 418 وأخرجه البخاري في التاريخ وصححه الترمذي
10 - الموطأ
11 - الشفا ج 1 ص 306
12 - المصدر السابق
   


   

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية