إنما كان سبب الهموم هو فقد الشهود , لأن الحق تعالى قريب على الدوام رقيب على الدوام , فمن كان قريباً من الحبيب فكيف يحس بفراق شئ أو فواته ؟
نظر الحبيب يغيب عن كل بعيد وقريب وأيضاً كل ما ينزل من عند الحبيب فهو حبيب فلا يلحقه شيء مكروه عنده حتى يهتم به , ولا يفوته محبوب سوى محبوبه حتى يحزن عليه , ففي محبوبه اجتمعت المحاسن كما قال القائل :تذلل له تحظى برؤيا جماله ... ففي وجه من تهوي الفرائض والنفل وبالجملة من كان نظره إلى محبوبه ومشاهداً لنوره وجماله لم يبق له هم ولا غم.
وبالجملة من كان عبداً لله غائباً عما سواه لم يبق له شئ من الهم لأنه قد حصلت له المعية التي توجب النصر والظفر بكل ما يريد ألا ترى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر :( لا تحزن أن الله معنا ) حين أحدق به المشركون , فكان عليه الصلاة والسلام في محل العيان فلم يهمه شئ ولم تقرب من ساحته الأحزان , وكان أبو بكر في ذلك الوقت موقناً غير مشاهد , فدله عليه الصلاة و السلام على مقام الكمال لأن الشهود فوق الإيقان،ومن جملة ما وقع من الاهتمام به لمن لم يكمل يقينه أمر الرزق وخوف الخلق , حتى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه :من ضمنهما لي ضمنت له الولاية.