نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ

(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

قال القشيري : لقوله تعالى : { السائحون } أي : الصائمون ، ولكن عن شهود غير الله ، المُمْتنعون عن خدمة غير الله ، المكتفون من الله بالله ، ويقال : السائحون الذين يسيحون في الأرض على جهة الأعتبار؛ طلباً للاستبصار ، ويسيحون بقلوبهم في مشارق الأرض ومغربها؛ بالتفكر في جوانبها ومناكبها ، والاستبدال بتغيُّرها على مُنْشِئتها ، والتحقق بحِكَم خالقها بما يَرَوْنَ من الآيات التي فيها ، ويسيحون بأسراهم في الملكوت ، فيجدون رَوْحَ الوصال ، ويعيشون بنسيم الأنْسِ؛ بالتحقيق بشهود الحق .وانظر الورتجبي؛ فقد جعل وصف الإيمان يحمل على التوبة ، ثم التوبة الصادقة تستدعي العبادات والمجاهدات المؤدية للعبودية ، فإذا تمت له نعمة للعبودية اقتضت حمد الله تعالى ، فيحمده تعالى معترفاً بعجزه عن القيام بحمده؛ كما في حديث : « أنتَ كَمَا أثنَيتَ عَلى نَفسِك » ثم الحمد والذكر يقتضي حبس النفس عن مألوفاتها حين عاين حِمَى هلال جماله في سماء الإيقان . ألا ترى كيف قال عليه الصلاة والسلام : « صُومُوا لِرؤْيِتِهِ » ولا يكون فطره إلا على حلاوة مشاهدته لقوله : « وأفطِرُوا لرُؤْيَتِهِ » فالسائحون طيارون بقلوبهم في أقطار الغيب ، وذلك يقتضي الخضوع بنعت الفناء عند مشاهدة العظمة ، فيركع شوقاً لجماله ، وخضوعاً لجلاله ، وعند ركوعه وخضوعه تحيط به أنوار الصفات ، فيسجد لكل الجهات؛ { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله } [ البقرة : 115 ] . وهذا السجود يقتضي الغربة ، والغربة تقتضي المشاهدة ، والمشاهدةُ تصير شاهدها متصفاً بصفاتها ، فمن وقع في نور أسماء الله وصفاته صار متصفاً بوصف الربوبية ، متمكناً في العبودية ، فيحكم بحكم الله ، ويعدل بعدل الله ، فيصفهم الله بهذه النعوت ، قال : ( الآمرون بالمعروف ) الداعون الخلق إلى الحق ، والناهون لهم عن متابعة الشهواتِ ، والحافظون لحدود الله ، القائمون في مقام العبودية بعد كشف صفات الربوبية لهم ، فلا يتجاوزون عن حد العبودية ، وإن ذاقوا طعم حلاوة الربوبية؛ لأنهم في محل التمكين على أسوة مراتب النبي صلى الله عليه وسلم ، مع كماله ، قال : « أنا العبد لا إله إلا الله » . انتهى . 

تفسير ابن عجيبة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق