نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مقام اليقين



اليقين هو من الإيمان منزلة الروح من الجسد . وبه تفاضل العارفون . وفيه تنافس المتنافسون . وإليه شمر العاملون . وعمل القوم إنما كان عليه . وإشاراتهم كلها إليه . وإذا تزوج الصبر باليقين : ولد بينهما حصول الإمامة في الدين . قال الله تعالى ، وبقوله : يهتدي المهتدون وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون

فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح . وهو حقيقة الصديقية . وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره . 
وروى خالد بن يزيد عن السفيانين عن التيمي عن خيثمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ترضين أحدا بسخط الله . ولا تحمدن أحدا على فضل الله ، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله . فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص . ولا يرده عنك كراهية كاره . وإن الله بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط . 

ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا . وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط ، وهم وغم . فامتلأ محبة لله . وخوفا منه ورضا به ، وشكرا له ، وتوكلا عليه ، وإنابة إليه . فهو مادة جميع المقامات والحامل لها. 

وعند القوم : اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون إلى غير الله . 
وقال الجنيد : اليقين هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يحول ، ولا يتغير في القلب . 
وقال ابن عطاء : على قدر قربهم من التقوى أدركوا من اليقين . 
وقيل : اليقين هو المكاشفة . وهو على ثلاثة أوجه : مكاشفة في الأخبار . ومكاشفة بإظهار القدرة . ومكاشفة القلوب بحقائق الإيمان . 

ومراد القوم بالمكاشفة : ظهور الشيء للقلب بحيث يصير نسبته إليه كنسبة المرئي إلى العين . فلا يبقى معك شك ولا ريب أصلا . وهذا نهاية الإيمان . وهو مقام الإحسان . 
وقال السري : اليقين سكونك عند جولان الموارد في صدرك ، لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك . ولا ترد عنك مقضيا . وقال أبو بكر الوراق : اليقين ملاك القلب . وبه كمال الإيمان . وباليقين عرف الله . بالعقل عقل عن الله . 

وقال النهرجوري : إذا استكمل العبد حقائق اليقين صار البلاء عنده نعمة والرخاء عنده مصيبة . 

وقال أبو بكر الوراق : اليقين على ثلاثة أوجه : يقين خبر . ويقين دلالة . ويقين مشاهدة. 
يريد بيقين الخبر : سكون القلب إلى خبر المخبر وتوثقه به . وبيقين الدلالة : ما هو فوقه . وهو أن يقيم له- مع وثوقه بصدقه - الأدلة الدالة على ما أخبر به . 
وهذا كعامة أخبار الإيمان والتوحيد والقرآن . فإنه سبحانه - مع كونه أصدق الصادقين - يقيم لعباده الأدلة والأمثال والبراهين على صدق أخباره . فيحصل لهم اليقين من الوجهين : من جهة الخبر ، ومن جهة الدليل . 

فيرتفعون من ذلك إلى الدرجة الثالثة : وهي يقين المكاشفة بحيث يصير المخبر به لقلوبهم كالمرئي لعيونهم . فنسبة الإيمان بالغيب حينئذ إلى القلب : كنسبة المرئي إلى العين . وهذا أعلى أنواع المكاشفة . وهي التي أشار إليها عامر بن عبد قيس في قوله : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من قول علي - كما يظنه من لا علم له بالمنقولات . 

وقال بعضهم : رأيت الجنة والنار حقيقة . قيل له : وكيف ؟ قال : رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورؤيتي لهما بعينيه : آثر عندي من رؤيتي لهما بعيني . فإن بصري قد يطغى ويزيغ ، بخلاف بصره صلى الله عليه وسلم .
واليقين يحمله على الأهوال ، وركوب الأخطار . وهو يأمر بالتقدم دائما . فإن لم يقارنه العلم : حمل على المعاطب . 

والعلم يأمر بالتأخر والإحجام . فإن لم يصحبه اليقين قعد بصاحبه عن المكاسب والغنائم . والله أعلم .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق