آخر الأخبار

جاري التحميل ...

  1. اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
    جزاكم الله خيرا
    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. كيف اخد الاذن

    ردحذف

الذكر المأذون

إن تعدد الأوراد وعدم الثبات على ورد وذكر واحد يؤدي إلى التشتت وأن الأولياء حذروا من التخليط في الأذكار , وسؤالي : ما هو تعريف الخاطر ؟ وما هو السبب في أن تعدد الأذكار يسبب انهيار العزائم والتشتت ودخول دوامة الخواطر الشيطانية ؟ وما الرابط بين تعدد الاذكار ودخول الخواطر الشيطانية على هذا الصنف من الذاكرين خصوصا ان هذا يحصل كثيرا ؟

اعلم سيدي العزيز أن الذكر المقصود هو الذكر الخاصّ المأذون فيه، أي ذكر السلوك في الطريقة، وليس الذكر العام المأذون فيه لجميع الأمّة الوارد في الكتاب والسنّة، فهذا الفرق فلا بد من اعتباره، وإنّما نصحوا بلزوم ذكر واحد لأنّ الذكر الواحد لا يدلّ إلا على الوجهة الواحدة، بمعنى ذكر الجمع على الله تعالى، لأنّ للأذكار خواص وكلّ ذكر يعطي خاصيته، وهذه الخاصيّة لكلّ ذكر تشتّت فكر الفقير وقلبه، لأنّ كلّ ذكر يطلب عالمه النوري و حضرته، فتعدّد الحضرات يفضي إلى التشتّت القلبي في عوالم الأنوار، لذا نصحوا بملازمة ذكر واحد، وأعني بالذكر الواحد أي الذكر الذي أذن فيه الشيخ فقط، لأنّه الذي به يربّي ويسلّك، وسرّ الله فيه وكذلك مدده فيه، فيضحى صاحب هذه المنزلة متوجّه إلى الذات من غير التفات منه في سلوكه إلى غير ذلك.

والتجانس وقع في أمور منها : هل يعقل أن يتّخذ الفقير شيخين مسلّكين في آن واحد ؟ فالجواب: أنّه لا يعقل هذا ولا يتصوّر في البال، وكذلك الأمر، فهل يعقل أن يتّخذ الفقير طريقتين يسلك فيهما في وقت واحد في نفس الأمر ؟ فهذا أيضا لا يعقل، وكذلك فهل يعقل بأن يخلط المريد في الأذكار بين الذكر المأذون والذكر الغير مأذون فهذا لا يعقل، وإنّما وقع التجانس في الأمر من حيث أنّ الله تعالى واحد، فلا بدّ لمن أراد أن يوصل إليه أن يتّخذ شيخا واحدا، وطريقة واحدة ، وذكرا واحدا أذنه فيه الشيخ لأنّه سيكون في هذا في حضرة واحدة، فلا تتجاذبه الحضرات، قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) لأنّ السبيل إليه واحد (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ).

وأنت تعلم بأن الشيطان سلطانه قويّ في عالم الكثرة، لذا وضّح هذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمّا خطّ خطوطا في الأرض، وأوضح بأنّ طريق الله واحد وطرق الشيطان كثيرة، فكلّ ما دلّك على الكثرة فهو شيطاني، وكلّ ما دلّك على الجمع على الله فهو ربّاني.

أما السؤال : كيف يعقل هذا ؟ فكيف يكون ذكر الله يشتّت القلب والفكر؟ والجواب : هل كلّ من ذكر الله تعالى فهو على حقّ، وهل كلّ من طلب الوصول إليه بهوى النفس وصل، فماذا نقول فيما نشاهده اليوم وقبل اليوم في قوله عليه الصلاة والسلام في قوم يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصومهم إلى صومهم ...الحديث فليس كلّ ذاكر شاكر ولا كلّ مأذون واصل، لأنّ عقبات الطريق كثيرة، ومداخل الشيطان والنفس أكثر، وإنّما قلنا هذا لنبيّن بأنّ الذكر ليس مقصود بكثرته العدديّة، وإنّما بكثرته التوجّهية ( وركعتان من زاهد في الدنيا خير من ألف ركعة من راغب ) فليس المراد بالكثرة ما نراه في الظاهر بل الكثرة هي الجمع في الباطن قال تعالى : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) فجعل النعم كلّها مجموعة في النعمة وهي حضرتها، ومن حضرتها المطلقة لأنّها صفة ( المنعم ) وهي مطلقة، وحضرة الإطلاق توجب عدم الحصر وعدم الإحصاء (لا نفاد لكلمات الله).

وكذلك قوله تعالى : ( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) فقال : اذكروا الله أي الاسم الجامع، أي توجّهوا إلى الاسم الجامع بلفظ واحد وهو قولنا ( الله ) فالذكر لا يتعدّد متى كان التوجّه إلى الذات القدسية وإنّما قال (كثيرا) أي تيهو في ذاتي التي لا حدّ لها ولا نهاية لكمالها وعظمتها وجمالها، فمهما ذكرت فإنّه لا حدّ ولا غاية لهذا الذكر، فهو حتما لا يكون إلا كثيرا رغم أنّه ذكر واحد بلفظ واحد، أي في ذكر السلوك وهو ذكر الجمع على الله تعالى فهذا هو سيف المريد الذي يقاتل به أعداءه.

ثمّ إنّ الذكر إنّما شرّع حقيقة في السلوك لنفي الخواطر وفنائها، فمتى فنت الخواطر فعندها تشرق أنوار الواردات الصافية، فلا يبقى للنفس خاطر ولا للشيطان خاطر، فتكون الخواطر الربانية والخواطر الملائكيّة فيضحى الفقير بين أنوار الذات وأنوار الصفات (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)فيصبح يمشي في الأرض بنور الواردات أي الإلهام الصحيح ( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) وفناء الخواطر الظلمانية لا يكون إلا بذكر واحد، فإنّك لا تحسن أن تقاتل عدوّك إلا بسيف قاطع واحد ( ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه ). وإنّما قصدنا بالذكر الواحد أي الذكر المأذون فقط ويترك غيره ممّا لم يؤذن فيه، وقد يكون الذكر المأذون عدّة أذكار وإنّما قصدنا تحديدا ذكر التوجّه.

فالذكر ليس بغاية في نفسه، وإنّما هو وسيلة من وسائل السير والقرب والسلوك، فمتى حصلت الغاية كانت العبادة على رؤوس العارفين كالتاج على رأس الملك، لذا يخفى كثيرا ذكر لسانهم، والعارف يعرف من نطقه فضلا عن حاله ومقاله.

قلت : الشيطان خبير بطرق السير والسلوك، قال تعالى حاكيا عن إبليس : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتقيم ) فنسب الغواية إلى الله لعنه الله فأساء الأدب في حضرة القدس فطرد منها، فلمّا طرد منها قعد في طريقها فهو عالم بطريق السلوك خبير بعلله، فلا يمرّ أحد إلا إذا تجاوزه لأنّه قاعد هناك، فمن كان له دليلا عرف كيف يسلك به عند موقع الشيطان، ومن كان بلا دليل أخذ الشيطان بيده في صورة شيخ عارف وقور فأضلّه على علم ...إلخ .
فخاطر الشيطان يلقيه والفقير في طريق السلوك، وقد إعترض طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم لمّا عرج به كما في خبر السيرة فحذّره منه جبريل لأنّه كان دليله في ذلك الطريق وهذه ذكرى للذاكرين.

قلت : هناك من الأذكار متى ذكرتها بغير إذن دخل الفقير بها حضرة الشيطان، وتكشّف على عالم الشياطين عامّة، وعالم الجنّ بأسره، فيدخل عالم الظلام برمّته ولا يخرجه من ذلك إلا الله تعالى، لذا قيل في بعض علماء الظاهر كابن الجوزي قيل فيه لمّا ألّف كتابه تلبيس إبليس : بل هو الذي لبّس عليه الشيطان فيه، قال هذا الكلام كبار العارفين وقد ذكر هذا الإمام الشعراني رضي الله عنه.

ثمّ إنّ الذكر متى لم يكن متلفّظا به تلفّظا صحيحا أدخل صاحبه في متاهات وربّما أوصله إلى الدروشة، فيترك عمله فيصير مثل المجنون وهو على باطل عظيم، لأنّ طريق الصوفية قيل فيه بأنه أحَدُّ من السيف، وأدَقُّ من الشعرة، وصفه كوصف الصراط، وهو الجسر الذي فوق نار جهنّم، أعاذنا الله منها بمنّه والمسلمين.
ومن رحمة الله بالمسلمين أنّه ستر أذكار الإذن وحجبها عن غير أهلها وستر علوم الحقيقة والخصوصية كلّ هذا رحمة بالضعفاء من المسلمين فجعل لهم ذكر عامّا يرتعون في رياضه كيفما شاؤوا وجعل للخاصة ذكرا خاصّا لا يتجاوزونه إلا بعد سلوكهم.
والدعوة إلى الله تعالى لا تكون إلا من شيخ عارف بالله مأذونا بالإرشاد كامل في حاله ومقاله فهذا الوارث الذي تلقى الأنفس إليه فيعالجها ويخرجها الله به من الظلمات إلى النور.

أمّا الخاطر الشيطاني الذي يكون في طريق السلوك يسمّى بالنفث والنفخ وهو شبيه بالإلهام ولا يميّز بينه وبين الإلهام إلا صاحب فرقان وقد وقع جملة من الصوفية ممن سلكوا الطريق من غير شيخ أو خلطوا في الأذكار من هذا الباب. 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية