آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مقامات وأحوال الصوفية : الإخلاص


قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) . وقال : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص ) . وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه ) . وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم . وقال تعالى : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) . 
وفي أثر مروي إلهي :سأَلل حُذَيْفَةَ عَنِ الإِخْلاصِ ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الإِخْلاصِ ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : سَأَلْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، عَنِ الإِخْلاصِ ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : سَأَلْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ عَنِ الإِخْلاصِ ، مَا هُوَ ؟ قَالَ : " سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِي ، اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُ مِنْ عِبَادِي " .

قال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى معرفاً الإخلاص: الإخلاص إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنعٍ لمخلوق أو اكتسابِ مَحْمَدَةٍ عند الناس أو محبة مدحٍ لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى. 

الإخلاص أن يستوي ظاهر المخلص وباطنه، وعلانيته وسريرته، فلا يكون ظاهره عامرا وباطنه خرابا، ولا تكون علانيته عسلا، وسريرته علقما، وقد قال سرى السقطي: من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله تعالى،وأن يستوي عنده مدح الناس وذمهم، وقد قيل: ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله، والعكس أيضا صحيح. 

ألّا ينظر المخلص إلى إخلاصه، فيعجب بنفسه، فيهلكه عجبه، ولذا أكد العارفون عدم رؤية الأعمال، حتى قال أبو يعقوب السوسي: متى شهدوا في إخلاصهم الاخلاص، احتاج إخلاصهم إلى إخلاص! 
قال أبو عثمان المغربي: الإخلاص ما يكون للنفس فيه حظ بحال، وهذا إخلاص العوام، وأما إخلاص الخواص، فهو ما يجري عليهم لا بهم، فتبدو منهم الطاعات، وهم عنها بمعزل، ولا يقع لهم عليها ولا بها اعتداد، فذلك إخلاص الخواص.
ومعنى هذا: أنهم فنوا عن أنفسهم وعن أعمالهم، وعن إخلاصهم، فلم يروا إلا الله تعالى الذي أخ لصهم لدينه، فأخلصوا له الدين.

ومن الإخلاص نسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة، لأن المخلص لا يأمن أن يكون عمله مشوبا بحظ للنفس قد يخفى عليه، فلا يحظى عمل بالقبول عند الله تعالى، فقد قال تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين).
والأعمال وإن عظمت فإنها لا تكافئ أدنى نعمة من نعم الله تعالى على عبده، على أن التوفيق للعمل إنما هو من الله تعالى، فهو صاحب الفضل أولا وآخرا، فلا يقتضي العمل في ذاته ثوابا في نظر المخلص، بل يرى الثواب إحسانا من الله إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة عمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته" (متفق عليه عن أبي هريرة).

والخوف من تسرب الرياء والهوى إلى النفس، وهو لا يشعر، فإن للشيطان سراديب خفية وملتوية، يدخل بها إلى النفس، وقد يئس من إيقاع المؤمن في المعاصي الظاهرة، فعمله الدائم معه في المعاصي الباطنة، وبها يستطيع أن يضيع عليه عباداته وأعماله التي يرجو بها الله والدار الآخرة. 
ولهذا قال سهل: لا يعرف الرياء إلا مخلص، لأنه ـ لخوفه منه ـ يرقبه ويتتبعه، ويعرف أغواره ومداخله، ولا يكذب على نفسه، ويزين لها سوء عمله فتراه حسنا. 

أقوال في الإخلاص
  • يَقُول الشيخ أبا يُوسُف بْن الْحُسَيْن: أعز شَيْء فِي الدنيا الإخلاص وكم أجتهد فِي إسقاط الرياء عَن قلبي فكأنه ينبت عَلَى لون آخر. 
  • قال سهل : أهل "لا إله إلا الله" كثير، ولكن المخلصين منهم قليل! 
  • قال الفضيل بن عياض: العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما.وسئل بَعْضهم عَنِ الإخلاص فَقَالَ: أَن لا تشهد عَلَى عملك غَيْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. 
  • قيل : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة . 
  • وقيل : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين . 
  • وقيل : التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك . والصدق التنقي من مطالعة النفس . فالمخلص لا رياء له ، والصادق لا إعجاب له . ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ، ولا الصدق إلا بالإخلاص . ولا يتمان إلا بالصبر . 
  • وقيل : من شهد في إخلاصه الإخلاص ، احتاج إخلاصه إلى إخلاص . فنقصان كل مخلص في إخلاصه : بقدر رؤية إخلاصه . فإذا سقط عن نفسه رؤية الإخلاص ، صار مخلصا مخلصا . 
  • وقيل : الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن . والرياء : أن يكون ظاهره خيرا من باطنه . والصدق في الإخلاص : أن يكون باطنه أعمر من ظاهره . 
  • وقيل : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق . ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله . 
  • ومن كلام الفضيل : ترك العمل من أجل الناس : رياء . والعمل من أجل الناس : شرك . والإخلاص : أن يعافيك الله منهما . 
  • قال الجنيد : الإخلاص سر بين الله وبين العبد . لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله. 
  • وقيل لسهل : أي شيء أشد على النفس ؟ فقال : الإخلاص ؛ لأنه ليس لها فيه نصيب . 
  • وقال بعضهم : الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدا غير الله ، ولا مجازيا سواه . 
  • وقال مكحول : ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه . 
  • وقال أبو سليمان الداراني : إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء. 
الخلاصة

إن الإخلاص تصفية العمل من العلل والشوائب، سواء أكان مصدرها التعلق بالخلق، كطلب مدحهم وتعظيمهم والهرب من ذمهم، أو كان مصدرها التعلق بالعمل، كالاغترار به، وطلب العوض عنه...
لذا فإن أهل الهمم العالية أخلصوا دينهم لله، وسمعوا نداء الله في قلوبهم {فَفِرُّوا إلى اللهِ} [الذرايات: 50] فاستجابوا لهاتف الحق، وقال قائلهم ملبياً له: تركت الناس كلهمُ ورائي وجئت إليك.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق