آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تفسير قوله تعالى :{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ... } آية (19-20) سورة البقرة.

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة، ويشكون تارة أخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم { كَصَيِّبٍ } ، والصيب: المطر، قاله ابن مسعود وابن عباس، والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال { ظُلُمَـٰتٍ } ، وهي الشكوك والكفر والنفاق { وَرَعْدٌ } وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى:{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ }.

يقول الحقّ جلّ جلاله: ومثل المنافقين أيضاً كأصحاب مطر غزير { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ } وهدير أصابهم في ليلة مظلمة وقفراء مُدْلهمة. فيه { بَرْقٌ } يلمع، وصاعقة تقمع، إذا ضرب الرعد وعظم صوته جعلوا { أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } من الهول والخوف حذراً من موت أنفسهم، وقد ماتت أرواحهم وقلوبهم، وإذا ضرب البرق كاد { أن يخطف أبصارهم } ، فإذا لمع أبصروا الطريق، و { مشوا فيه، وإذا أظلم عيهم قاموا } متحيرين حائدين عن عين التحقيق.
و { البرق }: هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان، ولهذا قال: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ } ثم قال: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي: لشدته وقوته في نفسه، وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان.
كذلك الإشارة لأصحاب الغفلات إذا طرق أسماعَهم وعظُ الواعظين، أو لاحت لقلوبهم أنوار السعادة؛ ولو أقلعوا عمَّا هم فيه من الغفلة لَسَعِدُوا، لكنهم ركنوا إلى التشاغل بآمالهم الكاذبة، وأصروا على طريقتهم الفاسدة، وتعللوا بأعذار واهية، ويحلِفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم، ويسعون في الخطرِ بأيْمانهم.

يقول ابن عجيبة : أهل الخصوصية إذا ظهروا بين العموم بأحوال غريبة وعلوم وَهْبية، وأسرار ربانية وأذكار نورانية، دهشوا منهم وتحيّروا في أمرهم، وخافوا على أنفسهم، فإذا سمعوا منهم علوماً لدنية وأسراراً ربانية فرّوا منها، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، خوفاً على نفسهم أن تفارق عوائدها وهواها، وإذا خاصمهم أحد من العموم ألجموه بالحجة، فتكاد تلك الحجة تخطفه إلى الحضرة، كلما لمع له شيء من الحق مشى إلى حضرته، وإذا كرّت عليه الخصوم والخواطر، وأظلم عليه الحال، وقف في الباب حيران، ولو شاء الله لذهب بعقله وسمعه وبصره، فيبصر به إلى حضرته. من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية .
فالصِّيَّب الذي نزل من السماء كِنَايةٌ عن الواردات والأحوال التي ترد على قلوب العارفين، ويظهر أثرها على جوارحهم، والظلمات التي فيها كناية عن اختفاء بعضها عن أهل الشريعة فينكرونها، والرعد كناية عن اللهج بذكر الله جهراً في المحافل والحلق، والبرق كناية عن العلوم الغريبة التي ينطقون بها والحجج التي يحتجون بها على الخصوم، فإذا سمعها العوام اشمأزت قلوبهم عن قبولها، فإذا وقع منهم إنصاف تحققوا صحتها فمالوا إلى جهتها، ومَشَوْا إلى ناحيتها، فإذا كَرَّت عليهم الخصوم قاموا منكرين، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق