آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مبادئ التصوف : مجاهدة النفس

قال عز وجل: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ".

المجاهدة أصل من أصول طريق الصوفية،وقد قالوا:( من حقَّق الأصول نال الوصول ، ومن ترك الأصول حرم الوصول ).
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في المنقذ من الضلال: “حاصل عمل الصوفية قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها الذميمة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله، وتحليته بذكر الله عز وجل“.
النفس هي: اللطيفة الربانية المدركة المودعة في الإنسان، قال تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي” ، وهذه اللطيفة إذا تعلقت بالمدارك سُمِّيت عقلا، وإذا جنحت إلى القذارة سُمِّيت نفسا، وإذا شَرُفت على الصفاء والوصال سُمِّيت روحا، وبتقلبها بين النفس والروح تسمى قلبا.
وكانت قبل تركيبها بالجسم طاهرة صافية، زكية ربانية، لذلك سُمِّيت روحا، ثُم تطبعت في تركيبها بالجسم، واتصفت بصفاته الشهوانية الذميمة، وذلك لبعدها عن عالمها الروحي، وقربها من عالمه المادي، حتى أخرجها ذلك عن طبعها، ولوَّنها بألوانه.. ومن ثَم، لا فلاح إلا بتزكيتها حتى تذهب النفسانية وتغلب الروحانية، يقول الحق سبحانه: 
قَدْ اَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” [الشمس، 9-10].
فلزم الخروج بها من عالم الجسم إلى عالم الروح،و العروج بها من عالم الخَلق إلى عالم الحق.
فالنفس موطن الغفلة، وأرض الشهوة.. والنفس هي الحجاب؛ لأنها تدعو إلى خلاف رضا الله تعالى، قال ابن عطاء الله في تاج العروس: “للظاهر جنابة تمنعك من دخول بيته وتلاوة كتابه، وللباطن جنابة تمنعك من دخول حضرته وفهم كلامه، وهي جنابة الغفلة“، وقيل: “ما من داعية لله دعا إليها خلقه ليتقربوا بها إليه، إلا ولهوى النفس داعية تخالفها“.

الأدلة على مشروعية المجاهدة : 

أ – من القرآن الكريم :

قال تعالى : "والَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا" ( العنكبوت : 69 ) . 
قال القرطبي في تفسير هذه الآية : ( قال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال ) ، وهذا يدل على أن المراد بالجهاد هنا هو جهاد النفس ، كما قال العلامة المفسر ابن جزي في تفسيرها يعني ( جهاد النفس ) . 

ب – من السنة الشريفة : 

عن فضالة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : "المجاهد من جاهد نفسه في الله" . وفي رواية : ( في طاعة الله ) . 

من أقوال العارفين بالله في أهمية المجاهدة :

- قال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى : من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة ، وقال الله تعالى : والَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا . واعلم أنه من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة . 
- قال أبو عثمان المغربي رحمه الله تعالى : ( من ظن أنه يفتح له بهذه الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط ) . 
- قال الأمام الجنيد قدس سره : سمعت السري السقطي يقول : يا معشر الشباب جدُّوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصروا كما ضعفت وقصرت . وكان في ذلك الوقت لا يلحقه الشباب في العبادة . 
- قال ابن عجيبة رحمه الله تعالى : لا بد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق ، وهي مظهر ومجلاة للنهايات ، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته ، فمن رأيناه جاداً في طلب الحق باذلاً نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية ، علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه ، وإذا رأيناه مقصراً علمنا قصوره عما هنالك . 
- قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في تعليقاته على الرسالة القشيرية: إن نجاة النفس أن يخالف العبدُ هواها ، ويحملها على ما طلب منها ربها . 
- قال الإمام البركوي رحمه الله تعالى : المجاهدة : وهي فطم النفس وحملها على خلاف هواها في عموم الأوقات ، فهي بضاعة العُبَّاد ورأس مال الزهاد ، ومدار صلاح النفوس وتذليلها ، وملاك تقوية الأرواح وتصفيتها ووصولها إلى حضرة ذي الجلال والإكرام ، فعليك أيها السالك بالتشمير في منع النفس عن الهوى ، وحملها على المجاهدة إن شئت من الله الهدى ، قال الله تعالى : والَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا .

الطريق الموصل لتزكية النفوس

- قال الغزالي: يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير، فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها، فإنها تجف على القرب وإن بقيت مدة وأورقت لم تثم.
- قال عبدالقادر عيسى في -حقائق عن التصوف: فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة الشخصية المثالية شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والإطلاع على أحاديث الرسولصلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلابد معهما من طبيب يصف لكل داء دواءه، ولكل علة علاجها. قال الغزالي: يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير، فقد خاطر بنفسه وأهلكها.

الشيخ المربي 

- يقول القاشاني: الشيخ هو طبيب الأرواح وهو الإنسان البالغ في معرفة علوم الشريعة والطريقة والحقيقة إلى الحد الذي يتمكن معه من معالجة الأمراض الحاصلة في نفوس الطالبين للوصول إلى الله تعالى. 

فالشيخ عند السالكين هو الذي سلك طريق الحق، وعرف المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير عليه بما ينفعه ويضره -السير والسلوك إلى ملك الملوك

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق