آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الأدب وسيلة إلى كل فضيلة ، وذريعة إلى كل شريعة .

أدب النفس 

اعلم أن النفس مجبولة على شيم مهملة ، وأخلاق مرسلة ، لا يستغني محمودها عن التأديب ، ولا يكتفي بالمرضي منها عن التهذيب ؛ لأن لمحمودها أضدادا مقابلة يسعدها هوى مطاع وشهوة غالبة ، فإن أغفل تأديبها تفويضا إلى العقل أو توكلا على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع أعدمه التفويض درك المجتهدين ، وأعقبه التوكل ندم الخائبين ، فصار من الأدب عاطلا ، وفي صورة الجهل داخلا ؛ لأن الأدب مكتسب بالتجربة ، أو مستحسن بالعادة ، ولكل قوم مواضعة .

وذلك لا ينال بتوقيف العقل ولا بالانقياد للطبع حتى يكتسب بالتجربة والمعاناة ، ويستفاد بالدربة والمعاطاة .
ثم يكون العقل عليه قيما وزكي الطبع إليه مسلما .
ولو كان العقل مغنيا عن الأدب لكان أنبياء الله تعالى عن أدبه مستغنين ، وبعقولهم مكتفين .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } .
وقيل لعيسى ابن مريم - على نبينا وعليه السلام - : من أدبك ؟ قال : ما أدبني أحد ولكني رأيت جهل الجاهل فجانبته .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم ، فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها .
وقال أزدشير بن بابك : من فضيلة الأدب أنه ممدوح بكل لسان ، ومتزين به في كل مكان ، وباق ذكره على أيام الزمان .
وقال مهبود : شبه العالم الشريف القديم الأدب بالبنيان الخراب الذي كلما علا سمكه كان أشد لوحشته وبالنهر اليابس الذي كلما كان أعرض وأعمق كان أشد لوعورته ، وبالأرض الجيدة المعطلة التي كلما طال خرابها ازداد نباتها غير المنتفع به التفافا وصار للهوام مسكنا .
وقال ابن المقفع : ما نحن إلى ما نتقوى به على حواسنا من المطعم والمشرب بأحوج منا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا ، فإن الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضارتها إلا بالماء الذي يعود إليها من مستودعها .
وحكى الأصمعي رحمه الله تعالى أن أعرابيا قال لابنه : يا بني العقل بلا أدب كالشجر العاقر ، ومع الأدب دعامة أيد الله بها الألباب ، وحلية زين الله بها عواطل الأحساب ، فالعاقل لا يستغني وإن صحت غريزته ، عن الأدب المخرج زهرته ، كما لا تستغني الأرض وإن عذبت تربتها عن الماء المخرج ثمرتها .
وقال بعض الحكماء : الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت .
وقال آخر : العقل بلا أدب كالشجر العاقر ، ومع الأدب كالشجر المثمر .
وقيل الأدب أحد المنصبين .
وقال بعض البلغاء : الفضل بالعقل والأدب ، لا بالأصل والحسب ؛ لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ، ومن قل عقله ضل أصله .
وقال بعض الأدباء : ذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب ، واتخذ الأدب غنما ، والحرص عليه حظا ، يرتجيك راغب ، ويخاف صولتك راهب ، ويؤمل نفعك ، ويرجى عدلك .
وقال بعض العلماء : الأدب وسيلة إلى كل فضيلة ، وذريعة إلى كل شريعة .
وقال بعض الفصحاء : الأدب يستر قبيح النسب .
وقال بعض الشعراء فيه : فما خلق الله
مثل العقول ولا اكتسب الناس مثل الأدب وما كرم المرء إلا التقى ولا حسب المرء إلا النسب وفي العلم زين لأهل الحجا وآفة ذي الحلم طيش الغضب وأنشد الأصمعي رحمه الله : وإن يك العقل مولودا فلست أرى ذا العقل مستغنيا عن حادث الأدب إني رأيتهما كالماء مختلطا بالترب تظهر منه زهرة العشب وكل من أخطأته في موالده غريزة العقل حاكى البهم في الحسب .

الكتاب : أدب الدنيا والدين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية