آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أخذ العهد بين الشيخ المرشد و المريد

أخذ العهد بين الشيخ المرشد و المريد

   من أهم ركائز الطريق الصوفي التي ينبنى عليها تحقيق السلوك إلى الله عز وجل : المبايعة وأخذ العهد بين الشيخ والمريد. فالبيعة هى مدخل الصحبة المباركة بين الشيخ المرشد ومريد الوصول إلى معرفة الحق تبارك وتعالى، وبها يسري تأثير الشيخ فى مريده بالحال والقال، ويتحقق الرباط الوثيق الذى يستهدف تزكية النفس الإنسانية وصلاح القلب والروح، والتدرج فى معارج السلوك لتحقيق الوصول وبلوغ المأمول. 

ومادام تحقيق هذه الغاية السامية موقوفا على حصول البيعة وأخذ العهد من الشيخ للمريد كانت البيعة فريضة واجبة ، من باب "ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب". واذا كان هناك فئة من الناس أخذت على عاتقها طمس وجوه الحقائق وإنكار مفاهيم التصوف الإسلامى فشددت النكير على اتخاذ الشيخ المرشد بزعم أنه ليس فى الإسلام وساطة بين العبد وربه : فإن قذائف الحجج والبراهين تنقض طيهم من .حصون التصوف المنيعة شواهد حق وإثباتأ لمشروعية البيعة وأخذ العهد والقبضة فى السلوك الصوفى. فمن أبرز تلك الحجج والأدلة ثبوت مبايعة النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه على أعمال الإسلام والنصرة والهجرة وغيرها كما فى بيعة العقبة الأولى والثانية ، وبيعة الحديبية وبيعة النساء – على تفاوت فى بنود البيعة بينها فى العموم والخصوص .

   ولأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم  فهو مربيهم ومزكيهم ورئيسهم وأميرهم فقد تعلق به المؤمنون وارتبطت قلوبهم به فكان أميرهم فى أمور دنياهم ومربيهم للسير إلى أخراهم ومزكيهم للوصول إلى مولاهم . وكذلك الأمر بالنسبة للخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .لكنه لما تقادم العهد وتغيرت أحوال المسلمين فقد تشعبت البيعة إلى شعبتين ، حيث آلت الخلافة إلى الأمراء والرؤساء، وآلت النفوس وتربية القلوب إلى شيوخ التربية العارفين ، ومن ثم كانت البيعة – بعد خاتم المرسلين- صلى الله عليه وسلم – قسمين : أحدهما بيعة الإمامة الكبرى للخليفة على إمارته وثانيهما : بيعة الشيخ المربى للمريد؟ ليتزكى على يديه فى طريق الله عز وجل . فيتحصل بضميمة مبايعة الرسل ثلاثة أنواع . فقد نقل صاحب تفسير :"روح البيان" عن العارف سيدى إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ الأكبر سيدى محيى الدين ابن عربى رضي الله عنه أنه قال : "المبايعون ثلاثة : الرسل ، والشيوخ الورثة والسلاطين والمبايع فى هؤلاء الثلاثة على الحقيقة هو الله تعالى، وهؤلاء شهود الله تعالى على بيعة هؤلاء الأتباع ، وعلى هؤلاء الثلاثة شروط يجمعها: القيام بأمر الله تعالى".

   وعلى الأتباع الذين بايعوهم شروط يجمعها المتابعة فيما أمروا به . فبيعة الشيوخ فى أصلها تذكير بالعهد الذى أخذه الله على بنى أدم وهم فى عالم الذر. وقد أكد العلماء العارفون أيضا أن بيعة شيوخ الطريق إنما هى امتداد لمبايعة الرسول : فقال العلامة الشيخ أحمد الصاوى فى حاشيته على تفسيرالجلالين عند تفسير قوله تعالى : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) وهذه الآية وان كان سبب نزولها بيعة الرضوان إلا أن العبرة بعموم اللفظ ؟ فيشمل مبايعة الإمام على الطاعة والوفاء بالعهد، ومبايعة الشيخ العارف على محبة الله ورسوله ، والتزام شروطه وآدابه .وقال الشيخ العارف سيدي أبو الهدى الصيادي رضي الله تعالى عنه فى تفسير هذه الآية من سورة الفتح : (إن بيعة الإمام المبين والصادق الأمين – صلى الله عليه وأله وسلم – ما تزال سارية باقية هي، تتلقاهاالأنفس الكريمة ، وتعقد عليها الأكف الكريمة ، لا تبديل لكلمات الله ، وأهل الله نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

   هذا وقد أصل الإمام العارف سيدى أحمد زروق قدس الله سره لأخذ العهد والبيعة فى الطريق الصوفي، وذلك فى القاعدة الثالثة والخمسين بعد المائة من قواعد التصوف حيث يقول قدس الله سره : (لباس الخرقة ، ومناولة السبحة ، وأخذ العهد، والمصافحة ، والمشابكة : من علم الرواية إلا أن يقصد بها حال فتكون من أجله .وقد ذكر ابن أبي جمرة أخذ العهد فى باب البيعة ، وألحقا بأقسامها. وأخذوا إلباس الخرقة من أحاديث وردت فى خلعه عليه الصلاة والسلام على غير واحد من أصحابه . ومبايعة سلمة بن الاكوع تشهد لإيداع السر فيها . ووجهها وطريقها ليس هذا محله . نعم هي لمحب أو منتسب أومحقق ، وفيها أسرار خفية يعلمها أهلها والله أعلم ) .

   ومما يدل كذلك على مشروعية البيعة وأخذ العهد علي الشيخ : قوله تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ) . ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) فالعهد المذكور عام شامل لأنواع البيعة الثلاثة التى ذكرتها أنفا ومنها البيعة بين الشيخ المربي ومريديه . وقد أقرها ووثقها أئمة الدعاة المعاصرين ومنهم الشيخ العلامة أبو الحسن الندوي حيث ذكر فى كتابه (رجال الفكر والدعوة فى الإسلام ) تحت عنوان (البيعة والتربية ) فى ترجمة الإمام عبدالقادر الجيلانى رضى الله عنه أنه فتح باب البيعة للمسلمين على مصراعيه فى القرن السادس الهجرى حيث اتسعت الدنيا وكثرت أسباب الغفلة واللهو فقال رضي الله عنه : (هنالك نهض فى بغداد – دار السلام وقلب ادعالم الإسلامي – رجل قوي الإيمان ،قوي العلم ، قوي الدعوة ، قوي التأثير. فجدد دعوة الإيمان والإسلام الحقيقى، والعبودية الخالصة، وأخلاق المؤمنين المخلصين ، وحارب النفاق الذي اجتمع فى المجتمع الإسلامى بقوة منقطعة النظير في تاريخ الإصلاح والتجديد،وفتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه ، يدخل فيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم الإسلامى يجددون العهد والميثاق مع الله ، ويعاهدون على أن لا يشركوا ولا يكفروا ولا يفسقوا ولا يبتدعوا ،ولا يظلموا ، ولا يستحلوا ما حرم الله ، ولا يتركوا ما فرض الله ، ولايتفانوا في الدنيا ولا يتناسوا الآخرة ، وقد دخل فى هذا الباب – وقد فتح الله على يد الشيخ عبدالقادر – خلق لا يحصيهم إلا الله ، وصلحت أحوالهم ، وحسن إسلامهم ، وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم ويشرف عليهم وعلى تقدههم ) . تلك هى شهادة أهل الإنصاف لأقطاب الولاية وشيوخ التربية ، وهذا نموذد علمي مشرق بالأنوار لأثر البيعة وأخذ العهد في الطريق الصوفي وثمة تأصيل علمي آخر متقدم على هذا النموذج لأخذ عهد الطريقة عند أئمة الفقه من التابعين . فقد نص العلامة ابن عابدين – في حاشيته في الفقه الحنفي على أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه كان إماما في التربية الصوفية كما أنه إمام في الشريعة ، وقد تلقى عهد الطريقة عنه كبار العارفين من سلف الأمة الصالح فقد أورد فى فضله : أن الأستاذ أبا على الدقاق – وهو شيخ الأمام القشيري صاحب الرسالة ألقشيرية – قال : أخذت هذه الطريقة من أبي ألقاسم النصراباذى، وقال أبو القاسم : أنا أخذتها عن الشبلي ، وهو أخذها من الجنيد. وهو أخذها من السري السقطي ، وهو من معروف الكرخى وهو من داود الطائي ، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة ، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله . 

   وبعد بيان أهمية البيعة وأخذ عهد الطريقة والتأصيل لمشروعيتهما نتعرف على معناها فى اللغة وفى الاصطلاع الشرعي وفى اصطلاح أئمة التصوف . فالبيعة فى اللغة هى المعاهدة والمعاقدة ، حيث سميت المعاهدة بالمبايعة ااتى هي مبادلة المال بالمال على سبيل الاستعارة لشبهها بها في اشتمالها على المبادلة بين الالتزام بمبادىء العهد من طرف وحصول مترتباته من الطرف الآخر  وقد نقل العلامة الجمل – في حاشيته على تفسير الجلالين – عن العلامة الخازن أنه قال:" وأصل البيعة :العقد الذى يعقده الإنسان على نفسه من بذل الطاعة للإمام والوفاء بالعهد الذى التزمه له". وقد تضمن هذا التأصيل اللغوى للبيعة معناها فى الاصطلاح الشرعى وهو العهد على الطاعة للإمام، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر فى أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه فى شيء من ذلك . وكذلك العهد فى اللغة يطلق على الموثق، وأصله فى الوضع اللغوي ما من شأنه أن يتعهد ويراعي ويحفظ كالوصية واليمين والذمة والحفاظ والأمان.

   أما معنى البيعة والعهد في الاصطلاح الصوفي فهو كما قال العارف السهروردى رضي الله عنه : ( ارتباط بين الشيخ والمريد، وتحكيم من المريد للشيخ فى نفسه لمصالح دينة ودنياه، يرشده ويهديه ويبصره بآفات النفوس وفساد الأعمال ومداخل العدو) .

إطلاقات وتسميات أخرى للبيعة والعهد. 

   هناك اصطلاحات واطلاقات أخرى مرادفة للبيعة والعهد عند السادة الصوفية وكل منها يحمل مضمونا سلوكيا له دلالته الصوفية . 

فمنها : أخذ المصافحة ،وقد يطلق عليها أخذ القبضة وذلك بمصافحة المريد لشيخه عند أخذ العهد عليه .

ومنها تلقين الذكر أو "أخد الذكر" –وله كيفيته التى سنوضحها بعد –فإن الشيخ يلقن المريد الذكر عند البيعة.

 ومنها لبس الخرقة : إذ يقول الإمام السهروردى رضي الله عنه :"فمعنى الخرقة معنى المبايعة" . والخرقة فى اللغة : هى القطعة من خرق الثوب . وهى فى اصطلاح الصوفية : رداء يضمه الشيخ من الصوف أي نسيج خشن ، ويكون أحيانآ مرقعا بأنواع عديدة من القماش علامة للافتقار ومنعاً للمريد من الزهو والافتخار والخيلاء، ويكون أحياناً عمامة أو طاقية أو نحو ذلك .

   قال الإمام السهروردى قدس الله سره :" فيكون لبس الخرقة علامة التفويض والتسليم ، ودخوله فى حكم الشيخ ، ودخوله فى حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإحياء سنة المبايعة مع رسول الله صلى الله عليه " وقد يطلق على البيعة اسم "الطريقة" على سبيل المجاز السببي، لأن البيعة سبب لسلوك الطريق إلى الله تعالى، وأخذاً من قوله سبحانه : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا).

   كما يطلق على البيعة أيضا اسم "السلوك " باعتبارها مدخلاً للسلوك الصوفي والخطوة الاولى فيه . وكذلك تسمى البيعة ب"الإنتساب" لأن بها ينتسب المريد إلى طريقة من الطرق ألموصلة إلى الله تعالى ، وكلها أبواب على طريق الله الأعظم الذى هو الصراط المستقيم، قال الإمام العارف بالله تعالى سيدى أحمد ضياء الدين الكمشخانوى قدس الله سره ( وأما الانتساب: فاعلم أن الأخذ والانتساب إلى الطرق وغيرها على أربعة أقسام:

   أحدها: أخذ المصافحة والتلقين للذكر، ولبس الخرقة والعذبة للتبرك أو للنسبة فقط.
   ثانيا: أخذ رواية، وهو قراءة كتبهم من غير حل لمعانيها، وهو قد يكون للتبرك أو للنسبة فقط.
  ثالثها: أخذ دراية، وهو حل كتبهم لإداراك معانيها كذلك فقط.
  رابعا : أخذ تدريب وتهذيب وترق فى الخدمة بالمجاهدة للمشاهدة، والفناء فى التوحيد، والبقاء، وهو المراد العزيز وجوده. وعلى هذا معول أكثر الطرق.

   هذا : وقد أفاد أئمة التربية الصوفية العارفون بالله عز وجل:أن السلوك إلى الله عز وجل لابد فيه من تكامل شرائط الصحبة والانتساب للشيخ المرشد وحصول التلقين بالذكر والإذن به مع الاجازة بالسند المتصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول سيدى الإمام أحمد ضياء الدين قدس الله سره:- ( وأما التلقين وسنده: فلما كانت الصحبة من لوازمه وشروطه، وكان الانتساب إلى الشيخ إنما يحصل بالتلقين والتعليم من شيخ مأذون، إجازته صحيحة مستندة إلى شيخ صاحب طريق، وهو إلى النبي  صلى الله عليه وسلم، وكان الذكر لا يفيد فائدة تامة إلا بالتلقين والإذن بل جعله الأكثر شرطاً). 

   ثم نأتي إلى السؤال الذى يفرض نفسه فى قضية البيعة وأخذ العهد: 

ما السر الذي يكمن فى ضرورة البيعة والعهد الله الذكر؟ وما الفرق بين من يأخذ العهد على شيخ وينال تلقين الذكر منه وبين من يعتمد على نفسه وتفقها فى الدين وعبادته بلا شيخ ؟

 ونتلقى الجواب من صاحب الحدائق الوردية ؟ إذ يقول :(واعلم يا أخي أن السر فى التلقين إنما هو لارتباط القلوب بعضها إلى بعض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجل وأقل ما يحصل للمريد إذا دخل فى سلسلة القوم بالتلقين: أن يكون إذا حرك السلسلة . تجاوبه أرواح الأولياء من شيخه إلى رسول الله إلى حضرة الله عز وجل ، فمن لم يدخل فى طريقهم بذلك فهو غير معدود منهم ، ولا يجيبه أحد إذا حرك السلسلة ). 

   ولحاقاً بالسؤال نفسه نتساءل : ما تأثير الشيخ فى المريد بعد أخذه العهد والبيعة معه ؟ أو فلنقل : ماذا يصنع الشيخ بالمريد بعد أخذ العهد؟ ويجيبنا عن ذلك العارف الكبير سيدى محمد بن عبد الكبير الكتانى رضى الله عنه ؟

   إذ يقول : " أما التأثير فى الطالب المنقاد المتوجه بشراشره إلى جناب القدس بواسطة شيخا: بأن يتوجه الشيخ إلى نفسه الناطقة ، ويصادمها بالهمة التامة القوية ، ثم يستفرق في نسبته بالجمعية بعد أن يكون الشيخ متحملأ لنسبة من نسب القوم أي منتسبأ إلى طريقة صوفية أصلية ويكون راسخ القدم فيها، فينقل نسبته إلى الطالب على حسب استعداده أو متحملا لهمة محمدية وبها يسير وهو أرفع المعارج ومهما عرض خاطر أثناء هذه الجمعية فليصادم أو يراجع بالمرة ، لأنه يفسد عليه صفو وقته " .

   وكذلك يحدثنا القطب الغوث سيدى عبدالعزيز الدباغ قدس الله سره عن أثر تربية الشيخ لمريده إذ يقول : "إن المقصود بالتربية : هو تصفية الذات وتطهيرها من رعوناتها حتى تطيق حمل السر، وليس ذلك إلا بإزالة الظلام منها وقطع علائق الباطل عن وجهتها .ثم قطع الباطل عنها تارة يكون بصفائها فى أصل خلقتها؟ بأن يطهرها الله بلا واسطة وهذه حالة القرون الثلاثة الفاضلة الذين هم خير القرون ؟ فقد كان الناس فى تلك القرون متعلقين بالحق باحثين عليه إذا ناموا ناموا عليه واذا استيقظوا استيقظوا عليه ، وإذا تحركوا تحركوا فيه ، حتى إن من فتح الله بصيرته ونظر إلى بواطنهم وجد عقولهم – إلا النادر متعلقة بالله ورسوله باحثة عن الوصول إلى مرضاتهما، فلهذا ظهر فيهم الخير وسطع فى ذواتهم نور الحق ، وظهر فيهم من العلم وبلوغ الاجتهاد مالا يكيف ولا يطاق" . فكانت التربية فى هذه القرون غير محتاج إليها . وإنما يلقى الشيخ مريده وصاحب سره ووارث نوره فيكلمه فى أذنه فيقع الفتح للمريد بمجرد ذلك لطهارة الذوات وصفاء العقول وتشوفها إلى نهج الرشاد. وتارة يكون بتسبب من الشيخ فيه – أعنى قطع الظلام من الذوات – وذلك فيما بعد القرون الفاضلة ؟ حيث فسدت النيات وكسدت الطويات وصارت العقول متعلقة بالدنيا ، باحثة عن الوصول إلى نيل الشهوات واستيفاء اللذات .
   فصار الشيخ صاحب البصيرة يلقى مريده ووارثه فيعرفه وينظر إليه فيجد عقله متعلقأ بالباطل ونيل الشهوات ويجد ذاته تتبع العقل فى ذلك فتلهو مع اللاهين ، وتسهو مع الساهين ، وتميل مع المبطلين وتتحرك الجوارح فى ذلك حركة غير محمودة ؟ من حيث إن العقل الذى هو مالكها مربوط بالباطل لا بالحق . فإذا وجده على هذه الحالة أمره بالخلوة ، وبتقليل الأكل فبالخلوة : ينقطع عن المبطلين الذين هم فى عداد الموتى. وبالذكر: يزول كلام الباطل واللهو واللغو الذى كان فى لسانه وبتقليل الأكل : يقل البخار الذي في الدم فتقل الشهوة ، فيرجع العقل إلى التعلق بالله وبرسوله . فإذا بلغ المريد إلى هذه الطهارة والصفاء أطاقت ذاته حمل السر فهذا هو غرض الشيوخ من التربية وادخال الخلوة .

   وفي تجسيد ثمرة تربية الشيخ لمريده يقول القطب العارف سيدى علي قدس الله سره : (مدد الأستاذ – وهو الشيخ – كحبة وضعها فى أرض قبول تلميذه وسقاها بتفهيمه وتأييده ، فمهما ظهر من التلميذ أو عنه من نوع ذلك فهو من ثمرات تلك الحبة ونتائجها ، ونتائج الحبة وثمراتها وإن كثرت إنما هي ملك لفارس الحبة في أرض يستحقها، فكل ما للتلميذ من أمر رشيد فإنما هو في الحقيقة حق لأستاذه).

   وهكذا يتضح لنا أن مهمة الشيخ مع المريد إنما هي صنع ولي لله عز وجل، إنها استخراج الطاقة النورانية الكامنة فى ذات المريد، ولا يستطيع استخراجها إلا الشيخ المربىي حامل المدد المحمدي. ومن ثم تتهافت دعاوى خصوم الصوفية التي تستنكر اتخاذ الشيخ للتربية فى طريق الله تعالي. ولا عجب فإن الذي ينكر شرعية البيعة وأخذ العهد مع الشيخ إنما هو فاقد للتربية ومتخبط فى مهامه الظلام حفظنا الله تعالى من ذلك ببركة شيخ الأمة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم .
**   **  **

د جودة محمود ابو اليزيد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية