آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح -9

الأصل الثالث : الإخلاص، اعلم أن كل شيء يتصور أن يشوبه شيء، فإذا صفى عن شوبه سُمِّيَ خالصًا، ويسمّى الفعل المصفّى إخلاصًا، وكل من أتى بفعل اختياري خالصًا، فلا بدَّ له في ذلك الفعل من عرض متى كان في الفعل واحدا، سمي ذلك الفعل إخلاصًا، إلا أن العادة جرت بتخصيص الإخلاص بتجريد قصد التقريب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب، كما أن الإلحاد هو الميل، وخصّصه العُرْف بالميل عن الحق. إذا علمت ذلك فنقول الباعث على الفعل إما روحاني فقط وهو الإخلاص، أو شيطاني فقط وهو الرياء أو مركب منهم، والمركب إما أن يتساوا فيه الطرفان أو يكون الروحاني أقوى أو النفساني أقوى.

القسم الأول : أن يكون الباعث روحانيًّا فقط ولا يتصور إلا من محب الله تعالى مستغرق أُلهمَ به بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه مقر، فحينئذ تُكشف جميع أفعاله وحركاته هذه الصفة فلا يقضي حاجته، ولا ينام ولا يحب الأكل والشرب مثلًا إلا لكونه إزالة ضرورة، أو تقوية على الطاعة، مثل هذا لو أكل أو شرب أو قضى حاجته، فهذا خالص العمل في جميع حركاته وسكناته.

القسم الثاني : أن يكون الباعث نفسانيًّا، ولا يتصور إلا من محب للنفس والدنيا مستغرق أُلهمَ بها بحيث لم يبق لحب الله تعالى في نفسه مقر فاكتسبت جميع أفعاله هذه الصفة، فلا يسلم له شيء من عباداته.

 وأما الأقسام الثلاثة الباقية فالذي يستوي فيه الباعثان قال الإمام فخر الدين الرازي : الأظهر أنهما يتعارضان ويتساقطان فيصير العمل لا له ولا عليه، والذي يكون أحد الطرفين فيه أغلب فيحبط منه ما يساوي الطرف الآخر، وتبقى الزيادة موجبة لأثرها اللائق وهو المراد بقوله : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }[الزلزلة : 8،7] وتمام التحقيق فيه أن الأعمال لها تأثيرات في القلب فإن خلا المؤثر عن المعارض خلا الأثر عن الضعف، وإن كان المؤثر مقروبًا بالمعارض فإن تساويا تساقطا وإن كان أحدهما أغلب فلا بدّ أن يحصل في الزائد بمقدار الناقص فيحصل التساوي بينهما أو يحصل التساقط ويبقى القدر الزائد خاليًا عن المعارض فيؤثّر لا محالة أثرًا ما وكما لا يضيع مثقال ذرة من الطعام والشراب والدواء عن أثر في الجسد فكذلك لا يضيع مثقال ذرة من الخير والشر عن أثر في التقريب من باب الله تعالى والتبعيد منه، وإذا جاء مما يقربه شبرًا مع ما يبعده شبرًا فقد عاد إلى ما كان عليه لا له ولا عليه وإن كان أحد الفعلين مما يقربه شبرين، والفعل الثاني مما يبعده شبرًا واحدًا حصل لا محالة شبر. واحتج مَن زعم أن المشوب لا ثواب عليه بوجهين الأول : ما روى أبوهريرة أنه عليه السلام قال : (إن الله تعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمل عملًا أشرك فيه غيري تركت فيه نصيبي لشريكي). وأُجيب بأن لفظ الشريك محمول على تساوي الراعيين وقد بيَّنَّا أن عند التساوي يتحبط كل واحد منهما بالآخر، واعلم أن خاطر السكان قد يكون في صور العبادات، وأنواع الخيرات، وحب الكرامات وهو لا يزال مع الإنسان، حتى يخلص فإذا أخلص فارقه ولا يطمع وهو بالغ في الشكر والخير يأتي الإنسان من كل طريق، إلا من باب الإخلاص فكن خالصًا ولو كنت في الإخلاص ما ترى نفسك في مقام الإخلاص.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية