آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

حقيقة اليقين وزلفة التمكين / الجيلي (7)

بَحْرٌ مُتلاطِمٌ، ووَبْلٌ مَتَراكِمٌ


العالَمُ مُحْدَثٌ باعتبار ظُهورِه، وأمّا باعتبار وجوده في العلمِ الإلهِيِّ فإنَّ حُكمُ الأسماءِ والصفاتِ الإلهيَّة.
فإن حكمتَ بقِدمِهَا ووُجوبها فاحكُم بِقِدَمِ العالَمِ ووجوبه.
ولم يتحقَّق للعقلاء عِلْمُهُ إلَّا بعدَ معرفةِ ثلاث مسائل : 

المسألة الأولى : هي أن الله واجبٌ بذاتِهِ، لأنه يستحيلُ أن يكون وجوبُهُ بغَيرِهِ. إذْ ذاك الغيرُ إمَّا أن يكون واجِبًا بنفسه، فينتقلُ الكلام إليه، أو أن يكون واجبًا بغيره. فمتى ما كان واجبًا بغيرهِ لَزِمَ الدُّورُ والتَّسَلْسُلُ بالنسبة إلى وجوبه بالذَّاتِ، فالدَّور والتَّسلسلُ باطلانِ، والواجبُ بالذّاتِ هو الباري عزَّ شأنُهُ.

المسألة الثانية : هي أن صفاته لاحقَةٌ في الوجوب بذاته، لأنَّ الحُدوثَ في الصِّفاتِ لازِمُ الحُدُوثِ في الذَّاتِ، وذاتُهُ ليس بمحَلِّ الحوادِثِ، فصفاته قديمةٌ واجبَةٌ بوجوب ذاته. والدليل على ذلك أنه لا يخلو أن يحتاج في وجود صفاته إلى نفسِهِ أو إلى غيره. فإنْ احتاج في وجودِ صفاته إلى غيره، كان غير تامِّ الوجود، لأن الكامل بغيرهِ يتعلَّقُ كمالُهُ بذلكَ الغيرِ. وذلك الغيرٌ لا يخلُو : إمَّا أن يكون واجِبًا بنفسه وذلك مُحالٌ. وإمَّا أن يكون مُتعلِّق الوجود بوجود مَنْ تعلَّق كمالُ وجودِهِ بوُجودهِ، فلَزِمَ الدَّور أو لَزِمَ التَّسلسلُ على ما لا نهاية له، وكِلاهُما مُحالٌ، فثيَتَ أنَّه غير مُحتاجٍ إلى غيرِهِ. فبَقِيَ الكلامُ في إذْ لو احتاجَ في وجودِ صفاتهِ إلى نفسِهِ.

وإيجادُ الصِّفاتِ صفةٌ أيضًا، فهي إمَّا أن تكون قديمةً، وإما أن تكون مُحْدَثَةً أوْجَدَها.
وإيجاد ذلك المُحْدَثِ أيضًا صفةٌ، فإما أن يتسلسَلَ الأمرُ أو يدُورَ، وكِلاهما مُحالٌ.
فثبتَ أنَّ صفاته واجبةٌ بوجوبه، قديمة بقِدَمِهِ.

المسألة الثالثة : هي أن صفاته كانت كاملة أيضًا، لِمَا قلناه من أنَّ الحدوثَ فيها لازِمٌ للحدوث في الذّاتِ، ولا كمال لوجودها إلَّا بوجودِ مُقتضياتها، إذْ يستحيلُ وجودُ الرَّازِقِ دونَ المَرزوقِ إلى غير ذلك من معاني جميع الأسماء والصفات النِّسبيَّة، فبالضرورة لا يوجَدُ أحدهما إلّا بوجود الآخر.

ولا خِلاف في أنَّ الموجودات الخَلْقِيَّةَ كانت في علم الله موجودة لعَدَمِ جَهْلِهِ، وقد كانت صفاته وأسماؤه كاملة كما هي الآن، لأن آثارها موجودة في العِلمِ الإلهِيِّ، كما أنَّ الأسماء والصفات بل ذاتَهُ إنما كانت موجودة في علمِه، إذْ لا وجود لغيره، فلمَّا ظهرَتْ ظهرَ العالَمُ، فقُلْ في العالَمِ ما تقوله في الأسماءِ والصفاتِ، إن شئت قلتَ فيها : إنَّ الذَّاتَ عَيْنُهَا صَدَقْتَ، وإنْ سَمَّيْتَ العالَمَ بالحَقِّ والحَقَّ العالَمَ، وليسَ العالَمُ بالحَقِّ، وإن شئتَ قلتَ : إنَّ العالَمَ قديمٌ بهذا الاعتبار، وإن شئتَ قلتَ : العالَمُ مُحْدَثٌ باعتبار حُكْمِهِ الذي يقتضيه العالم لذَاتهِ.

وهذا آخرُ ما أردنا ممَّا أوردناه {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب : 4].

وآخر ما جرى به القلم الأعلى بجريان إملائنا في هذه الرسالة والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ولا حول ولا قوة إلا بالله.

انتهى

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق