آخر الأخبار

جاري التحميل ...

العارف : بقلم ابن سينا

العارف هش بش بسام، يبجل الصغير من تواضعه كما يبجل الكبير، وينبسط من الخامل مثل ما ينبسط من النبيه. وكيف لا يهش وهو فرحان بالحق، وبكل شيء، فإنه يرى فيه الحق ? وكيف لا يُسوِّي والجميع عنده سواسية. 

العارف له أحوال لا يحتمل فيها الهمس من الحفيف، فضلاً عن سائر الشواغل الخالجة، في أوقات انزعاجه بسره إلى الحق، إذا تاح حجاب من نفسه أو من حركة سره قبل الوصول فأما عند الوصول فإما شغل له بالحق عن كل شيء وإما سعة للجانبين لسعة القوة، وكذلك عند الانصراف في لباس الكرامه فهو أهش خلق الله ببهجته. 

العارف لا يعنيه التجسس والتحسس، ولا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما تعتريه الرحمة. فإنه مستبصر بسر الله في القدر. وأما إذا أمر بالمعروف أمر برفق ناصح لا بعنف معير، وإذا عظّم المعروف فربما غار عليه من غير أهله. 

العارف شجاع. وكيف لا وهو بمعزل عن تقية الموت وجواد وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل، وصفاح للذنوب. وكيف لا ونفسه أكبر من أن تخرجها زلة بشر، ونساء للأحقاد. وكيف لا وذكره مشغول بالحق. ....وربما استوى عند العارف القشف والترف؛ بل ربما آثر القشف. وكذلك ربما استوى عنده التفل والعطر؛ بل ربما آثر التفل، وذلك عندما يكون الهاجس بباله استحقار ما خلا الحق. وربما أصغى إلى الزينة، وأحب من كل جنس عقيلته وكره الخداج والسقط، وذلك عندما يعتبر عادته من صحبة الأحوال الظاهرة. فهو يرتاد البهاء في كل شيء لأنه مزية حظوة من العناية الأولى وأقرب إلى أن يكون من قبيل ما عكف عليه بهواه. وقد يختلف هذا في عارفين، وقد يختلف في عارف بحسب وقتين. 

والعارف ربما ذهل فيما يصار به إليه فغفل عن كل شيء، فهو في حكم من لا يكلف، وكيف والتكليف لمن يعقل التكليف حال ما يعقله، ولمن اجترح بخطيئته إن لم يعقل التكليف. جل جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد، أو يطلع عليه إلا واحد بعد واحد. 

الإشارت والتنبيهات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية