فصل : اعلم أن معرفة جنود القلب بطريق التفصيل يطول شرحه، فلنوضح المقصود من ذلك كلّه بمثال : وذلك أن مثال بدنك كالمدينة ويديكَ ورِجلَيكَ وجميع أعضائك مثل صُنّاع تلك المدينة، وشَهوتَكَ كعامل الخَراج، وغضبك كالشّحْنَة (1)، وعقلك كالوزير، وقلبك كالملِك، فالملك محتاجٌ إلى كلّ ذلك ليَستَتِبَّ أمرُ المملكة ويَنحَرِس (2) نظامُها، ولكن جنود الشهوة هم بمنزلة الذي هو عاملُ الخَراج، وهو كثير الكذب والظلم والتخليط والفضول، وهو مجتهدٌ أبداً في مخالفته للوزير الذي هو العقلُ في كُلِّمَا يأمنُه به، لأنه يريدُ أن يأخد جميع أموال المملكة بغلة الخراج، وذلك الغضب الذي هو الشحنة بالمدينة سَبُعي الخُلُقِ، حادّ الطَّبع، سريعٌ إلى القتل والكسر والفتك، محبٌّ لِلأذيّة والإهلاك، وكما أنّ ملك المدينة يجعل جميع مشاورته للوزير ويتهاوَنُ بما يقولهُ العاملُ الكذّاب فلا يصغي إلى شيء ممّا يقولهُ إذا كان مخالفاً لِرَأي الوزير ويسلِّط عليه الشّحَنَةُ (2) لِيَكُفَّهُ عن الفضول، فكذلك أيضاً يعامل الشحنة بالسياسة والهَيْبَة والقهر لئلّا يتجاوز حدّه ولا يتعدّى طورَه، فإنّ الملِك إذا عامل الوزير بالإصغاء إليه، والعمل بمشورته وعامَلَ العامل الكذّاب بالإعراض عن كذبِه، وعامل الشّحنة بزجرِه ورَدعِه عن الاقدام على ما ينبغي لهُ، كان أمرُ المملكة جميلُ النظام حسنَ الالتئام، وهكذا ملِك البدن إذا كان مُصغياً إلى إشارة العقل ولم يجعل العقل تحت قهر العامل والشحنة كانت مملكة البدن منتظمةً وأمورها مستقيمةً، ولم يقطَعه عن سلوك طريق السّعادة قاطعٌ، ولم يَمنَعْهُ عن الوصول إلى الحضرة الإلهيَّة مانِعٌ، فأمَّا إذا جُعل العقلُ أسيراً في قبضة الشَّهوة أخيداً في يد الغضب أنبترَ (أي انقطع) من المملكة سلك نِظامها، وَوَهَنَت من الاستقامة عُرى إحكامها ومدّت الشّقاوة نحو الملِكِ يَدَ بَسطتها، وجَذبَتهُ المهالك بيد الاستيلاء عليه إلى خطّتها ونعوذ بالله من ذلك.
1- الشِّحْنَة الجماعةُ يقيمُها السلطانُ في بلدٍ ما لِضَبْطِه .
2 - يحفظ