آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوظيفـة التربويـة للطريقة القـادريـة البودشيشيـة

يختلـف مفهـوم التربيـة باختـلاف المنطلقـات التـي تنطلـق منهـا النظريـة التربويـة وباختـلاف الوسائـل والطـرق والقناعـات وبتبايـن النظـرة إلـى الكـون والإنسـان والحيـاة وإن عرجنـا فـي البدايـة علـى المعاجـم اللغويـة فإننـا نلاحـظ تفـرع كلمـة التربيـة مـن ثـلاث أصـول لغـوية :
1. ربـا يربـو بمعنـى زاد ونمـى. 
2. ربـي يربـي : بمعنـى نشـأ. 
3. رب يربـو الولـد : بمعنـى أصلـح وتـول أمـره. 
ومـن هـذه الأصـول اللغويـة يمكـن استخـلاص النتائـج التاليـة : 
أولا – التربيـة عمليـة هادفـة لهـا أغراضهـا وأهدافهـا وغاياتها 
ثانيـا - المربـي الحـق علـى الإطـلاق هـو الله الخالـق فهـو الـذي سـن سنـن بنمـو الأشيـاء وتدرجها وتفاعلهـا كمـا أنـه شـرع شرعـا لتحقيـق كمـال الإنسـان وصلاحـه وسعادتـه. 
ثالثـا – التربيـة تقتضـي كمراحـل تدريجيـة. 

أمـا فـي الاصطـلاح فقـد وردت عـدة تعريفـات للتربيـة غيـر أنهـا لا تخرج قـي مجملهـا عـن التوجيهـات والإرشـادات التـي يقـوم بهـا المربـون اتجـاه المتربيـن بواسطـة منهـج مـا ، بقصـد إدماجهـم فـي الحيـاة الاجتماعيـة والعمل علـى كمـال شخصيتهـم، فالتربيـة نشـاط قصـدي يهـدف إلـى تسهيـل نمـو الشخـص الإنسانـي وإدماجـه فـي الحيـاة والمجتمـع.
كمـا عرفـت بالمجهـودات التـي يقـوم بهـا المربـي نحـو المتعلـم لأجـل تغييـر سلوكـه أو تكييفـه علـى إصابـة التكامـل النمـاء الشامـل لشخصيتـه. وهكـذا يفيـد أن مفهـوم التربيـة عنـد أهـل الاختصـاص مـن عنـد اللغوييـن فهـي فـي الاصطـلاح خاصـة بالنـوع الإنسانـي ذلـك أنهـا فعـل يمـارس مـن طـرف مربـي علـى متربـي وهـذا الفعـل قصـدي أي موجهـة لتحقيـق غايـة محـددة فـي مساعـدة المتربيـن علـى تنميـة استعدادهـم وإمكاناتهـم وميولاتهـم .

ولكـن التربيـة ليسـت مجـالا للعاقـات بيـن أشخـاص ناضجيـن وأطفـال وشبـاب مـع كـل التعقيـدات التـي تترتـب عـن هـده العلاقـة الخاصـة مـن غايـات وأهـداف وكفـاءات إدراكيـة وانفعاليـة ومـن ظـروف تعليميـة ... إنمـا هـي أيضـا حقيقـة مؤسساتيـة باعتبارهـا تأخـذ صـورة مجموعـة مـن الأبنيـة المدرسيـة والمناهـج والتعليمـات والوظائـف المنظمـة ومـن المنشـآت والعلاقـات بيـن مختلـف الأطـراف وكـدا علاقـة المؤسسـة التربويـة بمحيطهـا الاجتماعـي , فكـل تربيـة لا بـد لهـا مـن مشـروع مطبـق بشكـل صريـح يظهـر علـى المـدى القريـب أو البعيـد لتغييـر الأشخـاص سـواء تعلـق الأمـر بإعـادة تأسيـس نظـام قديـم أو بحلـق نظـام جديـد علـى اعتبـار أنـه يتماشـى والقيـم المعيشـة ولذلـك فإن التربيـة لـن مشـروع إلا إن تجسـدت فـي مشـروع جـدي إيجابـي فعـال وفـي هـدا الاتجاه فـإن المجـال التربـوي يعطـي للمشروعـات مميـزات خاصـة وأساسيـة .

فالتربيـة مشـروع يبتغـي التأثيـر فـي الطفـل والشـاب لتكويـن رجـل الغـد ومسألـة مـن هـذا الحجـم تعطـي الأهميـة القصـوى للزمـن إذ الثقـل الزمنـي يحضـر فـي كـل مشـروع اقتصـادي وسياسـي علـى الخصـوص فـي المجـال التربـوي لأنـه محصلـة تفاعـل زمـن الحريـة وزمـن الحتميـة – فزمـن الحريـة هـو الزمـن المرتبـط بالمستقبـل : زمـن مـا ينبغـي أن يكـون بينمـا زمـن الحتميـة هـو زمـن الأشيـاء زمـن مـا هـو كائـن – ونظـرا لإغفـال مسألـة تدبيـر الزمـن نلاحـظ أن معظـم المشاريـع الإصلاحيـة فـي الحقـل التربـوي لا تحقـق النتائـج المرجـوة و تعترضهـا خـلال مسيرهـا عقبـات وتحـولات عميقـة تغيـر مـن طبيعتهـا أو قـد تقضـي عليهـا كليـا . ومـن أجـل هـذا فقـد شغلـت مسألـة هامـة الذهـن الإنسانـي منـذ أقـدم العصـور وهـي كيفيـة إجبـار الناس علـى سلـوك طريـق الحـق . فـإذا افترضنـا أن بعـض أفـراد المجتمـع قـد منحـوا السلطـة السياسيـة مـن أجـل تحقيـق هـذا الهـدف فمـن الممكـن أن يمتنـع النـاس خـوفا مـن العقـاب . ولكـن مـا الـذي يدفـع أولئـك الذيـن يتمتعـون بالسلطـة السياسيـة إلـى تحقيـق العـدل والإنصـاف ؟ ولـو استنجدنـا بالقانـون والمحاكـم فكيـف إذا يمكـن أن نبلـغ بهـا تلـك الأماكـن والجوانـب التـي لا تخضـع للشرطـة والقانـون ؟ ولـو أننـا جربنـا أساليـب الدعايـة وناشدنـا أهـل الشـر أن يكفـوا عـن الجرائـم . مـن ذا الـذي سينصـت إلينـا ويتخلـى عـن فائـدة يجنيهـا دون كلفـة؟.

إن رهبـة عقـاب الدنيـا لـن تنجـح فـي قمـع انحرافـات الإنسـان فنحـن جميعـا نعـرف أن الكـذب والرشـوة والمحسوبيـة والاستغـلال ومـا إلـى ذلـك مـن وسائـل المعروفـة سـوف تحـل دون أي إمكـان للعقـاب إنـه لـن يفلـح فـي قمـع الجرائـم ونبـذ الانحرافـات غيـر الدافـع المنبعـث مـن داخـل قلـب الإنسـان . مـن هنـا يتبـن أنـه لا يمكـن التعويـل علـى التهديـد ولا حتـى علـى التهذيـب الـذي لا يعـدوا بـدوره أن يكـون طـلاء مظهريـا لشخصيـة لا يحقـق الهـدف المقصـود مـن التربيـة . ذلـك لأن التهديـد يفـرض علـى الإنسـان مـن خـارجه أهدافـا وغايـات تظـل غريبـة عنـه مـا دامـت غيـر نابعـة مـن أعماقـه فهـو بالتالـي لا رغبـة لـه فيهـا . 

مـن أجـل هـذا جـاءت التربيـة فـي القـرآن مرتبطـة بالربانيـة يقـول الإمـام فخـر الديـن الـرازي : الربانـي المتألـه العـارف بالله ومنـه قولـه تعالـى : ﴿ ولكـن كونـوا ربانييـن ﴾ وعلـى هـذا تكـون الربانيـة شـرط أسـاس وكمـال فـي التربيـة حتـى تتحقـق غايتهـا وتنـال القبـول مـن الله تعالـى . 

إن مـن يريـد الله بـه خيـرا يوقفـه إلـى صحبـة الربانييـن أربـاب القلـوب العـارفـة الوارثيـن المحمدييـن الذيـن ورثـوا مـن أقـوال وأفعـال الرسـول عليـه الصـلاة والسـلام وهـم الذيـن اصطلـح علـى تسميتهـم بشيـوخ التربيـة الصوفيـة ولنا في الطريقة القادرية البودشيشية المثال الأعلى على يدي شيوخها رضي الله عنهم وكما نراه اليوم مع الشيخ المربي سيدي جمال الدين رضي الله عنه.

 ومـن أبـرز الوظائـف التربويـة للطريقة القادريـة البودشيشيـة:

1) التعريـف بشـرع الله والتمسـك بكتـاب الله وسنـة رسولـه ذلـك لأن الطريقة القادريـة البودشيشيـة مدرسـة تربويـة وعلميـة يلـح شيخهـا علـى تعلـم العلـوم وتعليمهـا لأن الله تعالـى لا يعبـد بجهـل كمـا يؤكـد علـى ذلـك فـي كـل مناسبـة وتوجيـه كمـا لا يفتـأ يذكـر المريديـن بـأن طريقتـه مؤسسـة علـى قولـه تعالـى :﴿ ومـا أتاكـم الرسـول فخـذوه ومـا نهاكـم عنـه فانتهـوا ﴾ ويجـدر التنويـه بـأن قـراءة الـدروس النظاميـة - سـواء بالزاويـة الأم بمـداغ أو بالزوايـا الفرعيـة – شـرح المرشـد المعيـن علـى الضـروري مـن علـوم الديـن .

2) إيقـاظ همة المريـد إن يشعـر باندفـاع وجدانـي تلقائـي إلـى الامتثـال للأوامـر الشرعيـة والمبـادر إلـى فعـل الخيـرات وبأحجـام شعـوري فـوري عـن المنهيـات والمنكـرات ، دون تكلـف ولا تصنـع ولا حـرج وهـذا دليـل علـى ربانيـة هـذا الشيـخ المربـي وعلـى أنـه يمنـح مـن ريـاض الإمـدادات القرآنيـة ﴿ ولكـن الله حبَّـَب إليكـم الإيمـان وزَيَّـَنـه فـي قلوبكـم وكـَرَّهَ إليكـم الكُفـر والفُسـوق والعصيـان

3) تحقيـق التـوازن النفسـي والاجتماعـي والمـادي والمعنـوي ذلـك لأن التربيـة الصوفيـة الصادقـة ليسـت زهـدا بدعـوى الروحانيـة وليسـت إغراقـا غـي الفكـر والتثقيـف إلـى حـد العلانيـة وليسـت حركـة دائبـة جوفـاء بدعـوى الحركيـة وإنمـا هـي كـل ذلـك فـي توافق واتـزان مـن خـلال الآيـة ﴿وابتغِ فيمـا آتـاك الله الـدار الآخـرة ولا تنسـى نصيبـك مـن الدنيـا﴾ ومـن خلال القـول المأثـور اعمـل لدنيـاك كأنـك تعيـش أبـدا واعمـل لآخرتـك كأنـك تـموت غـدا .

4) تحسيـن أحـوال المريديـن وأخلاقهـم : ذلـك لأن صفـاء قلـب المريـد مـن الأمـراض والآثـام الباطنيـة ينعكـس علـى صفـاء سلوكـه مـن الإلتـواءات الحربائيـة والأوصـاف الدنيئـة فيتحلـى مـن الشيـم بأرقاهـا ومـن الفضائـل بأسماهـا . ويترتـب عـن كـل هـذا مطلـب المطالـب وهـو معرفـة الله تعالـى إذ هـي أرقـى مراقـي التربيـة الصوفيـة .

هكـذا يتأكـد أن التربيـة فـي الطريقـة القادريـة البودشيشيـة تربيـة محمديـة شاملـة ومتوازنـة تلائـم بيـن المـادة والـروح وتفـق بيـن الدنيـا والآخـرة وتربـط بيـن العبـادة والحيـاة . فتقـوم مـا اعـوج فـي الباطـن والظاهـر حتـى يغـدو المريـد صالحـا لأسرتـه ومجتمعـه ولوطنـه وللإنسانيـة وللحلـق أجمعيـن.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية