آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

خصوصية الإسم « الله» ومشروعية الذكر به

خصوصية الإسم « الله» ومشروعية الذكر به

روى مسلم عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى لا يقال الله الله»، وفي رواية أخرى : « لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله». وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن ثابت قال : «كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا، فقال ما كنتم تقولون ؟ قلنا نذكر الله الله. قال : إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها، ثم قال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم». 

وهذان الحديثان فيهما الكفاية اللازمة لدحض آراء أصحاب الاتجاه التضييقي في تعاملهم مع النصوص الدينية وإسقاطاتهم اللغوية العفوية على المفاهيم التعبدية وأبعادها التوحيدية. 

إذ أنهما يتضمنان الأحكام التالية لا على سبيل الحصر: 

أ) مشروعية الذكر بالإسم المفرد «الله» واستحبابه بل ضرورته وذلك لأن الحديثين جاءا في معرض مدح الذاكرين بهذا الإسم دون أن يضيفوا إليه كلاما يتم معناه حسب زعم ابن تيمية ، بل ورد في كلي الحديثين مكررا للدلالة على أن المقصود منه تكرار اللفظ للعبادة والتقرب إلى الله لا للإجابة عن شرط أو استفهام أو ما إلى ذلك مما يريد أن يعلل وروده ابن تيمية كما في قول الله تعالى : «قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون». 

كما أن الحديثين فيهما دلالة على استحباب توظيف هذا الذكر على مستوى فردي أو جماعي في مجالس الذكر وحلقه. كما نصت عليها أحاديث أخرى. 

ب) يتضمن الحديثان أفضلية الذاكرين لله بالإسم المفرد. وأنهم ما داموا موجودين على الأرض وخاصة في حديث أنس فإن الإنسانية تكون في أمان واطمئنان من قيام الساعة المباغث.... إذ يكون وجودهم علامة على وجود الصالحين وهذا يتعضد بحديث آخر يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس« أو»شرار الخلق» حسب رواية مسلم. 

ج) إن اسم « الله» فيه الدليل والمدلول وهو لايحتاج إلى من يكمله بالفعل أو النعت أو الإضافة، بل هذه المكملات في اللغة المتداولة لا تكمل إلا به، إذ لولاه لما كان فاعل ولا فعل ولا مفعول ولا نعت ولا منعوت ولا مضاف ولا مضاف إليه. 

وهو بهذا المعنى التوحيدي الخالص لا يخضع للغة العادية وتراكيبها، لأنه فوق اللـغة واشتقـاقـاتها واشتراكاتها، إذ الأسماء الأخرى قد تعرف اشتراكات لفظية مجازية دون الاشتراك المعنوي والحقيقي بين أسماء الله وبعض أسماء مخلوقاته. ولهذا تحتاج إلى تمييز مجازا أيضا. وإلا فاللفظ يحمل معناه بحسب نية وتوجه قائله. 

أما إسم «الله» فهو كما ذهب إليه بعض المفسرين لا يعرف اشتقاقا في اللغة أواشتراكا لفظيا. لهذا فهو غير محتاج إلى من يدل عليه كما أنه لا أحد يسمى باسم الله في هذا الوجود إلا الله سبحانه وتعالى. ولهذا فحينما يذكر إسم الله لايخطر في الذهن أو القلب إلا هو كما أنه ضمنا تعود إليه كل الأسماء والمعاني التوحيدية. إذ التركيز على ذكر هذا الإسم هو في نفــس الــوقت إثبـات للوجـود وللـوحدانية، وللتفـرد ومخالفة الحوادث، وفيه تحقيق للعبودية وإخلاص المحبة له من طـرف الذاكر. فإسم «الله» هو أسمى الكلمات والمعاني وهو الذات التي لا يتسمى أحــد من المخلوقـات باسمها وهو هو « الأول والآخر والظاهر والباطن» لا معبود سواه. 

ولهذا المعنى التوحيدي الذي يفيده إسم «الله» عند ذكره فإنه عند التعبير بأفضليته لم يورده الشرع متبوعا بالمفضول. وإنما أورد الاسم مقصد التفضيل وأسند إلـيه اسم التفضيل دون اعتبار المفضول وذلك في قول الشارع : « الله أكبر». فأكبر على صيغة إسم التفضيل. والقاعدة العادية في هذا الباب تقول بأن « إسم التفضيل صفة تؤخذ من الفعل لتدل على أن شيئين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر فيها. وقد يكون التفضيل بين شيئين في صفتين مختلفتين فيراد بالتفضيل حينئذ ان أحد الشيئين قد زاد في صفته على الشيء الآخر في صفته. 

وقد يستعمل إسم التفضيل عاريا عن معنى التفضيل لكنه مع ذلك يسند إلى أشخاص يشتركون في مقارنة ما كقـولك « أكرمت القوم أصغرهم وأكبرهم».

وهذه القواعد اللغوية لا تنطبق على قولنا «الله أكبر» إذ التساؤل حول «أكبر ممن؟» في هذا المقام غير وارد لأنه لا مقارنة في هذه الصفة بين الخالق والمخلوق، ولهذا أقصي المخلوق من المقارنة لدفع أي تشبيه أو تقدير أو مقايسة. فالله أكبر لا نهاية لذاته ولا حد لها، ولايشبه ذاته أي مخلوق في أي شيء مهما تسامت أو دقت بنية هذا المخلوق ووظيفته، إذن فالمفضول في هذا التفضيل لا وجود له ولا مكان لاعتباره لعلو مقام التفضيل بحسب علو ذات الفضيل الأفضل، وبهذا المعنى التوحيدي كان ذكر «الله أكبر». كلاما كاملا رغم أنه يتخطى القواعد اللغوية العادية في إسم التفضيل لأنه مرتبط بالإسم الذي هو فوق الاشتقاق وفوق النعت والإضافة. وهذا مما لم ينتبه إليه ابن تيمية رغم أنه استشهد بهذه الكلمة «الله أكبر». للدلالة على رفضه الذكر بالإسم المفرد «الله». إذ أن الكلمة تنقض فتواه في مهدها ومن أساسها كما أنها لم ترد في نهاية سياق أو كلام سابق وإنما التعبير بها يكون ابتداءا لا جوابا ولا بيانا لشرط أو ثنيا أو مبتدإ أو تكميلا لجملة ومعناها. 

وإذا كانت هذه المعاني قد فهمناها بحسب معطيات النص وصريح ظاهره و أيضا بحسب ذوقنا العملي ومزاولتنا الشخصية للذكر بالإسم المفرد أو المجرد على يد شيخنا سيدي حمزة القادري بودشيش تلقينا، فإننا قد نجد توافقا بيننا وبين ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين بن عربي بسبب وحدة المشرب واتصال السند، وذلك بأسلوبه الفقهي والذوقي الصوفي، نورد بعض مقتطفات أقواله في هذا المقام، خاصة وأن ابن تيمة يعد من أشد المعارضين والمتحاملين عليه لنتبين الفرق بين الأسلوبين علما وذوقا وأخلاقا، حيث يقول في الفتوحات المكية: "كل ذكر مقيد لا ينتج إلا ما تقيد به لا يمكن أن يجني منه ثمرة عامة، فإن حالة الذكر تقيده، وقد عرفنا الله أنه ما يعطيه إلا بحسب حاله في قوله "إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" الحديث، فلهذا رجحت طائفة ذكر لفظة "الله" وحدها أو ضميرها "هو". من غير تقييد، فما قصدوا اللفظة دون استحضار ما يستحقه المسمى، وبهذا المعنى يكون ذكر الحق عبده بإسم عام لجميع الفضائل اللائقة به فتكون في مقابلة ذكر العبد ربه بالاسم "الله"، فالذكر من العبد باستحضار والذكر من الحق بحضور لأنا مشهودون له معلومون، وهو لنا معلوم لا مشهود، فلهذا كان لنا الاستحضار وله الحضور، فالعلماء يستحضرونه في القوة الذاكرة والعامة تستحضره في القوة المتخيلة، ومن عباد الله العلماء بالله من يستحضره في القوتين، يستحضره في القوة الذاكرة عقلا وشرعا وفي القوة المتخيلة شرعا وكشفا، وهذا أتم الذكر لأنه ذكره بكله، ومن ذلك الباب يكون ذكر الله له، ثم إن الله ما وصف بالكثرة شيئا إلا الذكر، وما أمر بالكثرة من شيء إلا من الذكر، قال: «والذاكرين الله كثيـرا والذاكـرات» وقال: 

«اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»وما أتى الذكر قط إلا بالإسم "الله" خاصة معرى عن التقييد فقال : "اذكروا الله" وما قال بكذا، وقال: "وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ" ولم يقل بكذا، وقال: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ" ولم يقل بكذا، وقال: "فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا" ولم يقل بكذا، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى لا يبقى على وجه الأرض من يقول الله الله»، فما قيده بأمر زائد على هذا اللفظ لأنه ذكر الخاصة من عباده الذين يحفظ الله بهم عالم الدنيا وكل دار يكونون فيها، فإذا لم يبق في الدنيا منهم أحد لم يبق للدنيا سبب حافظ يحفظها الله من أجله، فتزول وتخرب، وكم من قائل "الله" باق في ذلك الوقت ولكن ما هو ذاكر بالاستحضار الذي ذكرناه، فلهذا يعتبر اللفظ دون الاستحضار: «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ ي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» لأنهم لم يسمعوا بذكر شركائهم واشمأزت قلوبهم، هذا مع علمهم بأنهم هم الذين وضعوها آلهة، ولهذا قال:"قُلْ سَمُّوهُمْ" فإنهم إن سموهم قامت الحجة عليهم فلا يسمى الله إلا الله".

الدكتور : محمد بنيعيش

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق