آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

قرية صغيرة وقلب كبير"مداغ" قِبلة الشيخ والمريد

قرية صغيرة وقلب كبير"مداغ" قِبلة الشيخ والمريد

قرية صغيرة وقلب كبير"مداغ" قِبلة الشيخ والمريد.. حينما تعانق"البودشيشية" الدبلوماسية الرسمية.

"وتارا".. رحلة البحث عن" اللذة الايمانية"

هنا "مداغ"، الزمانُ مكانٌ سائلٌ، والمكانُ زمانٌ متجمِّد، هنا قبلة العارفين والباحثين عن اللذة الايمانية، الطريق إليها تتعدد بتعدد السالكين من كل بقاع العالم ومدن وقرى المغرب، حيث ينتظم الآلاف من المريدين كل سنة لإحياء "أسبوع الفرح" بمناسبة ذكرى المولد النبوي.
الرحلة إلى مداغ، تشبه قصة "حي بن يقظان" للفيلسوف الاسلامي ابن طفيل حين يروي قصة شخص يدعى حي بن يقظان أنه نشأ في جزيرة وحيدا، وترمز للإنسان، وعلاقته بالكون والدين، واحتوت مضامين فلسفية، شكلت الروح الفلسفية للتصوف.
"مداغ" تشبه جزيرة معزولة عن العالم حيث تتصل النفوس وتتلاقى الأرواح كالجنود المجندة، يقول وتارا بدر الدين، القادم إليها من ساحل العاج وأحد مريدي الطريقة البودشيشية بداكار.

وتارا، عندما التقيناه لأول مرة، بدا لنا بشعره الطويل والمجعد والمزين بالظفائر والجدائل، يشبه مغني "الريكي" الشهير بوب مارلي، تحدث كيف أصبح مريدا للطريقة البودشيشية بالقول إنه ترعرع وسط بيئة صوفية منذ نعومة أصابعه، حيث كان والده احمد وتارا شيخ كبير في التصوف جنوب كوديفوار ويتزعم الزاوية التيجانية".
المريد وتارا، أعجب بالمكان بعد أن دعته الزاوية للحضور إلى الملتقى، يقول عن حال التصوف بساحل العاج إن "عدد المنتمين للزاوية القادرية قليلون جدا في الكوت ديفوان ولكن نحمل هدف نشرها على نطاق واسع وحتى في البلدان المجاورة لأن الطريقة البودشيشية تحمل رسالة عالمية".

الدبلوماسية الروحية


منير القادري، نجل الشيخ حمزة، يقول للموقع إن الطريقة البودشيشية انتشرت في مختلف القارات، واستطاعت بفضل "دبلوماسيتها الروحية" أن تفتح جسور التواصل مع العالم وإفريقيا خاصة.
"الزاوية تلعب دور المجتمع المدني وليست تيارا سياسيا" يقول نجل الطريقة البودشيشية، الذي ما فتئ يذكر في حديثه للموقع دور الدبلوماسية الروحية في إفريقيا في دعم ومسايرة التوجه الملكي نحو افريقيا، حيث قال إن الطريقة البودشيشية لن تدخر جهدا في سبيل خدمة "إمارة المؤمنين" والملكية والوحدة الترابية".

علاقة الزاوية مع الدولة تشبه علاقة المريد بالشيخ، فهي ترفض كل الرفض معارضة سياسات الدولة في الشأن الديني أو في القضايا الكبرى كالوحدة الترابية النظام الملكي، ويرفع البودشيشيون شعارا كان يقوله الشيخ حمزة :"شبر من صحرائنا قبر لنا".

دياسبورا الطريقة.. لمحاربة الاسلاموفوبية


أما "الفقراء" القادمين من دول أوربا وأمريكا، منهم مغاربة وأجانب، أو كما يسميهم نجل الشيخ سيدي جمال، "دياسبورا الطريقة"، لا تفارقهم الابتسامة والفرحة، يحجون كل سنة إلى مداغ.
تحدث محمد القادم من كندا، الذي يشتغل في شركة "غوغل" بالولايات المتحدة الأمريكية، عن تجارب راكمها بأمريكا وكندا بالقول: "أينما كنا لدينا تربية صوفية مبنية على صحبة في الله على يد شيخ يمكننا من التربية والفقه والتقرب إلى الله".
في نظر محمد، فالغرب يستجيب للتصوف وللطريقة البودشيشية ويقبل عليها، لأنها "تشتغل على الباطن وعدوها هو النفس وليس الآخر"، أما الدعوة فهي لا تمارسها ولا تحب الخروج إلى الشارع لدعوة الناس لتغيير أحوالهم، "لا نمارس الدعوة كدعاة وخطباء وإنما الدعوة بالحال، ولسنا متطرفين بالعكس لا نكره لا يهوديا ولا نصرانيا لكن نكره نفوسنا ونحاول إصلاحها" يقول المتحدث نفسه.
يترأس محمد إلى جانب عدد من المنتمين إلى الطريقة البودشيشية بالخارج، اجتماعات يومية وأسبوعية في عدد من بلدان المهجر، حيث وصلت الطريقة إلى الصين كما استطاعت أن تقتحم السعودية ذي العقيدة السلفية الوهابية التي تعد نقيضا للتصوف وتحاربه.
نفس الحكاية يرددها عدد من المتدخلين في الندوات المنظمة من قبل الملتقى العالمي للتصوف، منهم عبد المنان بن محمد، الباحث في كلية الدراسات العامة والتربية بجامعة السلطان زين العابدين بماليزيا، الذي قال بأن الصوفية كانت وراء دخول الإسلام إلى هذا البلد الأسيوي، عن طريق الشيخ عبد الله العارف.

عبد المنان حاول مرارا التأكيد خلال حديثه بأنهم "لا يستعملون إراقة الدماء، ولكنهم سلكوا مناهج خاصة متسمة بالدبلوماسية الروحية؛ ذلك أنهم ينشرون الإسلام بالسلام، ولا يدخل الشباب إلى هذا الدين عن القهر والإجبار".
  
في "مداغ" حيث الآلف يأتون للاحتفال بعيد المولد النبوي، تختفي المظاهر والصفات والوظائف والألقاب، الجميع هنا يتحولون "فقراء" ومريدين يودون التقرب إلى شيوخ الطريقة، ويظهر جليا كيف أصبحت الزاوية ملاذا لكل من يسعى إلى الأمن الروحي والسلم ونشر المحبة، والتركيز كله على "الباطن".

بلباسه الدرويشي، أو "البزة"، حين تعانق البساطة عالم الوجدان، حيث يتفرد بها هو وأصحابه الذين يلقبون بـ "أهل الله"، يمشي مستاوي وهو قادم من تونس وسط المريدين يصافح كل من يلتقي، ولأن "الابتسامة صدقة" كما يقول فهي لا تفارقه.

فالمتصوف التونسي يرى أن البشرية محتاجة لعبادة الله "بالمضمون لا بالشكل"، لأن "الذي حصل هو ان التشدد ناتج عن اختلال أخلاقي وانحطاط في التربية من هنا وجب على أهل التزكية والشيوخ الربانيون أن يولوا اهتمامهم للشباب لإنقاذهم من التأثيرات المتوحشة الارهابية".

أما رافع الرفاعي، مفتي دولة العراق، أحد المسؤولين الرسميين الحاضرين في ملتقى مداغ إلى جانب مستشار رئيس حكومة مدغشقر ومسؤولين في ماليزيا، باحث في تاريخ الصوفية، فيرى أن التصوف ثلث الدين وبدونه ضاع جزء من الدين.
يفتخر الرفاعي، بكون دولة العراق أصل الطرق الصوفية وبالخصوص الرفاعية والقادرية، وأن شيوخها الأوائل دفنوا في مقبرة "الشونيزية" المعروفة بمقبرة الأولياء والعارفين.

مجذوب الزاوية... مريد فريد


فإذا كان "التصوف هو الضمير النابض الذي أشاع الصدق في وجدان الفرد"، فإنه عند البودشيشية هو طريق إلى الله عبر الشيخ، هو رحلة ممتدة من الخلق إلى الحق، فالطريق هنا هو الخروج من وهم الغفلة وحب الدنيا والدخول في طاعة الله ومحبة الرسول.
لكن لكل زاوية مجذوبها كما يقال، إلا في مداغ لا حديث إلا عن "المجدوب السويني"، فهو مريد فريد ما ان تطأ قدماك هده البقعة الا وصادفته متجولا بين مرافقها قد تصادفه امام البوابة الرئيسية او تجده يطوف بين اروقة القرية التضامنية او حتى امام قاعة الندوات.
يبدو على أعتاب الستين عاماً، يلبس جلباباً صوفياً أبيض، وبلحية بيضاء يتنقل بين مختلف اروقة المصالح والوحدات المنظمة، حتى تخاله مسؤولا تنظيميا عن للملتقى .
تربى في كنف الزاوية وعلى يد الشيخ الراحل حمزة بن عباس، يحكي مريد من الزاوية يعرفه عن قرب، إنه "مجذوب مجدوب"، لكن "محب وصادق"، فذات يوم بدأ يضرب بالحجارة لكن لا أحد يوقفه، يتركونه حتى يتوقف ويعود إلى طبيعته، ففي ليالي الذكر يجدب كثيرا، من بين العشرات الذين كانوا يحضرون تلك اليالي، يحركون رؤوسهم يمنة ويسرة كالمأخوذ، أو صامتون كمن يخزن في داخله التفاصيل حوله أو يحاور نفسه في مونولوج ذاتي.

وكأن لسان المجدوب يقول "أمسيت ميتا، فأصبحت حيا، كنت باكيا فأصبحت ضاحكا جاءت دولة العشق فصارت دولة خالدة"، هكذا تنتهي به الأحوال عند افتراق السالكين إلى الزاوية.

مريدات الطريقة البودشيشية


"الفقيرات" بـ"مداغ"، هن نساء من كل الأصناف والمراتب الاجتماعية، مقصدهن واحد حب "الله ورسوله"، تقودهم في كل منطقة "مقدمة" (مسؤولة عن التنظيم والذكر والمبيت).
تقول إحداهن : "البودشيشية كالبحر الذي لا يرى عمقه ولا بدايته ولا نهايته"، هكذا تحس بعمق إيمانها في الزواية.
نعكف سنويا هنا بمداغ للتعلم والتربية والتكوين في شتى المجالات على يد علماء وشيوخنا كما نوزع القفة الرمضانية باسم الزاوية البودشيشية"، تشرح عن أسلوب الزاوية في التعامل مع النساء.
مسألة وحيدة تختلف فيها النساء "الفقيرات" عن الرجال "الفقراء"، هي طريقة المصافحة، أي طريقة ولوج الزاوية، حيث يصافح الفرد الشيخ جمال البودشيشي لإعلان انتمائه للطريقة الصوفية المذكورة، فالنساء يصافحن بطريقة غريبة "يشربن ماء يقرأ عليه الشيخ بعض آيات من القرآن وبعض الأذكار"، في حين يصافح الرجال شيخهم ويقبلون يديه ثم يقرأ عليهم نفس الآيات والأذكار.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق