آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الكلمة التوجيهية لشيخ الطريقة سيدي جمال الدين حفظه الله بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة الشيخ سيدي حمزة

الكلمة التوجيهية لشيخ الطريقة سيدي جمال الدين حفظه الله بمناسبة الذكرى الثانية لوفاة الشيخ سيدي حمزة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم 

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم صل على سيدنا محمد نور الأنوار وسر الأسرار وزين المرسلين الأخيار وعلى عطرته الطاهرين الأخيار وصحابته الغرِّ الأبرار الذين عزروه ونصروه بالليل والنهار.


معشر الذاكرين والذاكرات أيها الضيوف والحضور الكرام :

بادئ ذي بدئ أحييكم تحية إسلامية مباركة ملئها الود والإخاء والمحبة والوفاء راجين من الله تعالى أن يجازيكم عنَّا خير الجزاء وعلى ما تجشمتموه من عناء السفر للوصول إلى هذه الدار، منزل الوصال والاتصال والمحبة الصادقة، محبة الله ورسوله، قصد إحياء ذكرى من أهم الذكريات عند كل واحد منا، ذكرى وفاة والدنا ووالدكم الرجل الكريم الأكرم، والأب الرحيم الأرحم،  تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته مع المنعم عليم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

فأهلا وسهلا بمجيئكم، وصاحبتكم السلامة في قدومكم وإيابكم أما بعد :

فإن من شيَم الأمم والشعوب الاحتفال برجالاتها ورموزها العظام، وتخليد ذكراهم الطيبة ،والاعتبار بسيرهم العطرة، ولهذا القصد يلتئم جمعنا اليوم، بمناسبة الذكرى الثانية لالتحاق والدنا وشيخنا المربي بالرفيق الأعلى، المجدد للسلوك الصوفي العارف بالله سيدي الحاج حمزة قدس الله سره.

وكمَا يعلم الجميع، ويشهد به الجمُّ الغفير فإن شيخنا قدس الله سره، قد أفنى حياته في خدمة ديننا الإسلامي الحنيف، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ،متبعا طريق اللين واليسر، بعيدا كل البعد عن التشدد، عاملا على تأليف القلوب، وتزكية النفوس ، وتحبيب الله إلى خلقه، فقد قال الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه في هذا الصدد : {لَئِنْ شِئْتُمْ لأُقْسِمَنَّ لَكُمْ ، إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ ، الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللَّهَ وَيُحِبِّبُونَ اللَّهَ إِلَى خَلْقِهِ} من خلال ذكر الله الكثير، والتوجه إليه دون سواه بصدق وإخلاص، مصداقا لقوله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقوله عز وجل : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} لذلك كان قدس الله سره نعمة من نعم الله تعالى، قلَّ نظيرها في هذا الزمان، ولا عجب في هذا الصدد بشر رسول الله ﷺ أمته قائلا : ( مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ) وخصَّ أهل المغرب بالذكر في قوله : (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ في المغرب حتى تقوم الساعة).

أيها الأعزاء الفضلاء أيتها العزيزات الفُضليات :

إن تجديد والدنا وشيخنا رحمه الله للتربية الصوفية في زماننا المعاصر، كان وليد جد وكد واجتهاد، شبَّ عليها منذ نعومة أظافره وشبابه، صادقا في طلبه لله عز وجل، غير ملتفت لأي حظ من الحظوظ،  ممتثلا ومحبا ومتوجها ومنقطعا لخدمة شيخه العارف بالله سيدي بومدين قدس الله سره، رفقة جدنا وشيخنا العارف بالله سيدي الحاج العباس، حيث بدلا في ذلك النفس والنفيس،  فتحققا لهما بتوفيقه تعالى ما كان يبشر به أهل الله الراسخون، وأهل الله الملهمون، منذ بداية انسلاك والدي العارف بالله سيدي الحاج حمزة قدس الله سره، ويشيرون إليه تلميحا وتصريحا ببلوغه مقاما عليا في التربية وتسليك المريدين، وكيف أن زمنه سيكون وقت ظهور للتصوف السُّني السَّني، الذي ميَّز أرض هذه المملكة المغربية الشريفة منذ قرون. 

فحاز قدس الله سره السبق في زمانه ليكون بحق مجدِّداً من مجدِّدي التربية الصوفية، وفي هذا الصدد يقول رسول الله ﷺ : {يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها} لقد تحدّث بهذه البشائر العارف بالله سيدي الحاج بومدين، والعارف بالله سيدي الحاج العباس، في أزمنة مبكرة عايشتُها وشاهدتها منذ طفولتي التي قضيتها في صحبة وخدمة سيدي الحاج بومدين، وصحبتي منذ كنتُ شابًّا يافعا للعارف بالله سيدي الحاج العباس وخدمته، لتستمر صحبتي كذلك وخدمتي لوالدي سيدي الحاج حمزة قدس الله سره، فقد قال لي بنص صريح وجازم منذ سنة 1972 {لي عندي عندك} هذا من فضل ربي، وهو منحة وعطاء رباني، وما زلتُ أذكر أنني سألته عن معنى {لي عندي عندك} فأجابني رحمه الله : لأن هذا السر سينتقل إليك بعد وفاتي، فأجبته توًّا، قائلاً : أطال الله عمرك أنا ليست عندي أي رغبة في هذا، بل الشيء الذي أطلبه من الله تعالى هو أن يطيل عمرك، فردَّ عليَّ قائلا : يا بني، تعلم علم يقين أن الموت فرض، قد مات الأنبياء والملوك والأولياء، وهذه سنَّةُ الله في خلقه يقول الله تعالى : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وقوله ﷺ : "عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ".
فانتقال هذا السر إليّ، هو عطاء وفضل واصطفاء ومنحة ومِنَّة ربانية، ووراثة روحانية،  لا وراثة طينية وشبحية، كما يُفهم عند البعض، فقد قال الله عز وجل : {كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} وقوله تعالى : {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وقوله كذلك : {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

أيها المحبون أيها المريدون أيتها المريدات :


 لقد تحدَّث أهل الله تعالى عن الظهور الكبير للطريقة، وكيف أنها ستصير بإذن الله الواحد الأحد، الفرد الصمد ،ذات إشعاع وطني وكوني، في وقت كانت فيه مجرد اجتماعات محدودة محلية بالمغرب الشرقي، وفي هذا الصدد كان والدي رحمه الله يردد قولته المشهورة : {إن طريقتنا هذه طريقة كونية} ويستمر هذا التجديد في التربية بعد انتقاله رحمه الله تعالى إلى جوار ربه،  بوصية ميمونة مباركة، تركها مكتوبة وموقعة من طرفه رضي الله عنه، ومع الاستمرارية، فإن معين هذا السر لا ينضب ولا ينقطع، فلقد سمعت من والدي أن العارف بالله سيدي بومدين كان يستقبل القبلة، وهو يدعو ربه بخشوع وخضوع وخنوع، سائلاً الله تعالى أن يُبقيَ هذا السر في هذه الدار،  ويجعلها عامرة على الدوام بالأسرار والأنوار والعلم والصلاح والجاه والرجال والمال، فدعاء أهل الله مستجاب،  وكلام أهل الله هو مراد الله، وفي الحديث القدسي : {وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ}هذه إشارة قوية على بقاء هذا السر إن شاء الله تعالى في هذه الدار، لأنها دار بُنيَت على تقوى من الله ورسوله.



 ونحن نعيش اليوم والحمد لله والمنة ظهور الحال والصلاح في طريقتنا، ببزوغ أجيال خريجين من العلماء العاملين، والأتقياء الذاكرين، لا تخلو زاوية داخل المملكة وخارجها، من اجتماعات في انتظام للذكر وحلق الذكر، يوميا على مدار الأسبوع، وهي نعم من نعم الله الوافرة، والحمد لله والشكر لله على ما أعطى.

يقول الله عز وجل : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وقوله تعالى : {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فمن أوجب الواجبات وأوكدها نحن معشر الذاكرين والذاكرات، أن نحرص كل الحرص على صيانة الموروث الروحي النبوي المحمدي النفيس،  الذي يُعتبر صمّام أمان للبشرية جمعاء من مختلف دواعي المُدّعين، وفي هذا الصدد يجدرُ بي أن أحدثكم عن أحد مريدي الطريقة سقط في مهاوي الادعاء وقت سيدي بومدين، كان يُدعى عفا الله عنه "الفقيه أحمد بن الطيب"، إذ ظهر عليه فضل الطريقة، فشرع ينظم قصائد أُعجب بها ، وكان والدي يأتي بها إلى سيدي بومدين ويقرأها على مسامعه، وعند الانتهاء من قراءتها يرد سيدي بومدين على والدي قائلا له : "قل لابن الطيب حتى الزنبور يصنع الشهدة ولكن أين العسل ؟ فكل من يتبع ابن الطيب فهو غاوي، يحصل له ما حصل للشعراء الغاوين، الذين قال فيهم الحق عز وجل : {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}فكل من يدّعي التربية، بدون إذن صادق، دعوته باطلة، والحكمة في العسل لا في الشهدة،  السر في العسل لا في صنع الشهدة الخاوية، وفي الأخير قال سيدي بومدين لابن الطيب : ما صدر عنك ويصدر فهو من عندي، فما أنت إلا بوق، فالحكمة في الإذن لا في العلم وحده"، ولذلك رأينا كثيرا من فطاحل وأكابر العلماء، أخدوا عن شيوخ التربية، منهم من كان أُمِّياً كسيدي علي الخوّاص الذي أخد عنه الإمام الشعراني صاحب الطبقات، وسيدي عبد العزيز الدباغ الذي أخد عنه الفقيه الجليل ابن المبارك، لذا صرح أهل الله أن كل من يدعي دعوة بمفرده دون إذن شيخه، تُعدُّ دعوته دعوة باطلة لاغية، لذا يجب على كل مريد التأدب مع شيخه إلى أن يلقى الله ليكون معه في دار القرار، ففي الحديث الشريف : {المَرْءُ معَ مَنْ أحَبّ}.

 فنحن حريصون كل الحرص، على ما يجمع الشمل، ويؤلف القلوب، ويوحِّدُ الصف، بالحب للجميع بدون تمييز أوإقصاء، ونشر قيم حسن الظن بعباد الله، وتقوية عرى المحبة والرحمة والإخاء، جاعلين من الثوابت الدينية والوطنية أولى أولوياتنا، وأكبر اهتماماتنا، مؤكدين على ضرورة الالتزام بذلك، وأهل الله يحبون جميع الخلق بدون تمييز، ويتبرؤون من الادعاءات الزائفة، الله نسأل أن يُخرج من قلوبنا حب الرئاسة والظهور والعُجب.

 المريد الصالح هو الذي يكون مُراده موافقا لمراد شيخه، فما يحبه الشيخ ينبغي أن يحبه المريد، متمسكاً بالكتاب والسنة، حريصاً كل الحرص على نشر هذه الطريقة، ليعمَّ فضلها كافَّة الناس ،لأن مهمة الطريقة هو إصلاح الفرد، الذي بصلاحه يصلح المجتمع، فطريقتنا فهي ما جاء في قوله تعالى : {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

أيها المحبون أيها المريدون أيتها المريدات :

لا يتسع المجال لذكر مناقب وفضائل وجهود شيخنا سيدي الحاج حمزة قدس الله سره ، وإنما أردنا أن نكتفي بالنزر اليسير لسيرته، فلم يمت رحمه الله حتى أرسى ثوابت هذه الطريقة، وبيَّن معالمها الكُبرى سَيراً وتسييراً لشؤنها الدقيقة والجليلة طيلة عشرات السنين خلَتْ، فإننا قد أَذِنَّا في جمع أقواله وتوجيهاته وتدوين مواقفه وبلاغاته وحكمه ، صونا لها من عَبَث العابثين، وحفظاً لها من كذب الكاذبين، وافتراءات المُفترين، التي تثنشر مكتوبة أو مسموعة أو مرئية في مختلف الوسائط الرقمية، سيسهر عليها مجموعة من السادة الأفاضل علماء الطريقة وفقهاءها، بإشراف إبننا الأرضى والأندى، الدكتور مولاي منير، رئيس الهيئة العلمية للطريقة المباركة حفظه الله، حيث سيصدر هذا العمل بحول الله تعالى باسم مشيخة طريقتنا المباركة، ليصير هو السند والمعتمد في المستقبل.
أيها المحبون أيها المريدون أيتها المريدات : 
تغمرنا سعادة وفرح كبيران، بقرب انتهاء أشغال ضريح شيخنا سيدي الحاج حمزة قدس الله سره، جرياً على سنن السلف الصالح الذي بتشييده هذه الأضرحة والقباب، إنما كان يخلد مكارم الأخلاق، التي بذلوا مُهجهم وأفنوا أعمارهم لرفع صروحها، تأسياً واقتداء بصاحب الخُلق العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وإننا نرفع أكف الضراعة إلى البارئ تعالى بأن يتقبل جهود هذا المريد البار، الذي أبى إلا أن يتطوع على نفقته لبناء هذه المعلمة الروحية الجليلة، في نُكران الذات وعرفان منه، واعترافا بالفضل الذي ناله من صحبة العارف بالله الوالد الحاج حمزة قدس الله سره،  فجزى الله هذا المريد أحسن الجزاء "والله يحب المحسنين".

وختاما نسأل الله الذي كلنا إليه واعتمادنا في كل حال عليه أن يزيد أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين العزة والنصر والتأييد، ويمتعه بتمام الصحة والعافية، ويرزقه طول العمر، كما نسأله تعالى أن يمُدَّه بالعون والسداد والرجال، في جميع تخطيطاته وتدبيراته وتقريراته، ويكلل جهوده بالنجاح في كل ما يقوم به للارتقاء بالمملكة المغربية الشريفة في المعالي، ويحفظ هذا البلد من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويؤمن حدودنا، ويصون صحراءنا، وكامل وحدتنا الترابية، ويوحد صفوف المسلمين، ويعُمَّ السلم والسلام الإنسانية جمعاء، كما نسأله تعالى أن يُمطر شآبيب رحمته ومغفرته ورضوانه، على الملكين المجاهدين سيدي محمد الخامس، ومولاي الحسن الثاني طيب الله ثراهما، كما نسأله تعالى أن يحفظه في ولي عهده المحبوب الأمير الجليل مولاي الحسن ويشدَّ عضُضه بصنوه السعيد الرشيد المولى رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية إنه سميع مجيب وبالاستجابة جدير "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالة وبركاته.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق