آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الحقيقة القلبية الصوفية - 38


الصوفية الحقيقيون، والسلفيون الحقيقيون، مع اختلاف الألفاظ، قد انحدروا من أصل واحد، وشربوا من منبع واحد : التقوْا حول العلم بالكتاب والسنة، وكرَعوا جميعاً من الفيض الربَّاني، والصفاء المحمَّدي، الذي كرعَ منه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. يتقدَّمهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، كما تجلَّى في سلوكهم. والفرق بين المحقّين في الجانب الصوفي والسلفيّ، كاد أن يكون لفظيا. فقد اتفقوا جميعا على إثبات ما هو حق، وإبطال ما هو باطل.. وإذا لوحظ بعض الأحوال الباطنيّة، والتفتّحات القلبية في الجانب الصوفيّ، فنتيجة الإكثار من الذكر ومحاسبة النفس، كما قال ابن خلدون. فيكون الفرق - مدّاً وجزراً - في الثمرات، لا في أصولها. والعبرة بالأصول. والبليّة فيما أصاب عمل السلف الصالح من الجانبين - كما قال الإمام الشاطبي - كانت من الأتباع المتأخِّرين.

وإذا تحوَّل بعض العمل الصوفيّ إلى دعاوي وهميّة، وادِّعاءات كاذبة، وآراء شخصيّة باطلة، وأساليب مبتدعة... وتحوَّل بعض العمل السلفيّ إلى خلق نزاعات وخلافات ومشادّات. يسودها العنف والشقاق، وإلى أراء جارحة، وكتابات تكفِّر المؤمنين... فالشريعة المحمديَّة، التي تجمع ولا تفرِّق، وتَهدي ولا تضلّ، وتَرحم ولا تُسخط، وتُسالم ولا تُشاقق، وتُلاين ولا تُشذِّد... ويرتاد حكمها الأمن والاستقرار، والوئام والإخاء، والمحبة والصفاء، ومحبَّة الخلق بحبِّ خالقهم، وتدعو إلى العدل والإحسان، والأخلاق الفاضلة، والاستقامة على أحكام الكتاب والسنة، داخل المجتمعات الإسلامية... تتبرَّأ من أي قول أو عمل مخالف، يقوله أو يمارسه أحد من أتباع أي فريق أو حركة، وترفض شرعا كل أسلوب أو طريقة أو دعوة، لم تلتزم بالمنهاج المحمَّديّ، المنزَّل في قوله تعالى : {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:125] أو لم تقم اساسا على مصادرها وروحها ومقاصدها...

ومن المسلّمات أنّ كل مجتمع يشتمل على حق وباطل. فمجتمع "ملائكي" مثاليّ، صالح بكل أفراده، لم يعرف في الدنيا حتّى اليوم. وقد وقعت المخالفات وأقيمت الحدود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفئه. وقد أقام الخليفة عمر حدّ شارب الخمر على ابنه. والعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم وحده. والفساد بجانب الصلاح من طبيعة المجتمعات. ولذلك خلق الله الجنّة والنّار. وعلى المؤمن من أن ينكر الفساد قلبيّاً، ويرفضه فكريّاً، ويتجنَّبه عمليّاً، دون ان يُقيم الدنيا ويقعدها، إذا وقع، إذ لولا توقّعه لَمَا شرعت الحدود والقوانين. وإذا كان من فرق، ففي أن الصلاح كان هو الغالب، واليوم على العكس {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:41] وعلى الذين لهم القدرة على الإصلاح الدينيّ والخلقيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ... أن يتحمّلوا مسؤولية مباشرته بوسائل سلميّة ربَّانيّة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق