آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح حكم ابن عربي :من لم يمت عن هواه، لا يمكن أن يراه.

ولمَّا عرفتَ أن الوصول إنما يكون بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاعرف بأن معاينته ومشاهدته لا تكون إلا بانعدام الهوى عنك، وعدم بقائه فيك، كما أشار إليه الشيخ رضي الله عنه بقوله : (من لم يمت عن هواه، لا يمكن أن يراه) أي : الذي لم ينقطع بالكلية عن هواه كالميت حين يموت، لا يمكن له أن يشاهده بعين البصيرة؛ لأنه حرام على من بقِيَ فيه مقدار فص النوى من الهوى أن يرى من لا يرى معه السوى؛ لأن الهوى ميل النفس إلى السوى. 

والرؤية ظهور أسمائه وصفاته، والميل إلى ما سواه تعالى إنما يكون برؤية إياه، فلا يمكن لأحد مشاهدة الحق، إلا بعد فنائه عن مشاهدة الخلق، فالخلق إنما هو خلق عند عدم ظهور الحق وتجليه في الأشياء، وإذا تجلى على العبد، ودخل قلبه فيراه في كل شيء، وتكون الأشياء مرآة لرؤيته الحق تعالى، فيكون الظهور للحق لا للخلق، ويكون الظاهر الحق لا الخلق؛ لأن المرآة إذا امتلأت من الصورة فإنما ترى الصورة دونه المرآة، فعلى هذا إذا صار وجود الحق مرآة للخلق يكون الظاهر الخلق لا الحق، وتحقيق هذا هو أن العبد بعد ما عرف الله تعالى بألوهيته بأن عرف أنه إله بسبب إنه مألوه أي : محل لتصرف الحق فيه، وتوجه إليه تعالى بكليته تنفتح عين بصيرته بنور الكشف، فيعطيه هذا الكشف أن العالم بجميع حقائقه الموجودة فيه تجلي الحق الوجودي بالفيض المقدس في صور أعيانهم التي يستحيل وجودها بدونه، هذا إذا شاهد الوجود الحق في أعيان الموجودات الخارجية، وهي مظاهر للحق تعالى موجودة في أعيانها ظهر الحق بها وفيها بحبسها نحوًا من الظهور ونوعًا من التجلي، وإن شاهد الوجود الحق في مجالي الأعيان الثابتة ومراتبها وهي غير موجودة في أعيانها، بل هي على عدمها الأصلي، ووجودها العلمي ظهر الوجود الحق بها مختلف الصور، فهو حقًّا يرى أن العالم تجلي الحق في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل ظهور أحكامها، وآثارها في الوجود الحق بدون التجلي الوجودي؛ لأنه يستحيل وجودها في نفسها؛ لأنها ما شمت رائحة الوجود في هذا الكشف، وهذان النوعان من الكشف في مقام الجمع بعد الفرق الأول.

وبعد هذا الكشف يأتي كشف آخر أصح وأرقى من الأول لتحققه بالحق والخلق، وهو مقام الفرق بعد الجمع المسمّى بجمع الجمع؛ لأنه يجمع الجمع مع الفرق، فيظهر له هذا الكشف صور الأعيان الثابتة وأمثلتها في مرآة الوجود الحق من غير انتقالها من العلم إلى العين إلا أنها أثرت في مرآة الوجود الحق من حيث قبولها وصلاحيتها لآثار تلك الأعيان صوراً وأمثلة يظنها الجاهل بالأمر على ما هو عليه موجودات عينية وليست كذلك، ولا يلزم من هذا الحلول؛ لأن الوجود واحد لا يحل في نفسه، والحلول إنما يكون بين الشيئين الموجودين بوجودين مختلفين، فليس للأعيان وجود سوى وجود الحق تعالى حتى يلزم حلولها في الحق، أو حلوله فيها فافهم، واحذلر أن تنسب إلى القوم ما هم بريئون منه، والله يقول الحق بلسان عبده فلا إنكار عليه إذا تكلم بمثل هذا المقال، وهو يهدي السبيل الموصل إلى فهم الحقائق وقبولها لمن يشاء.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق