نفحات الطريق

يعنى الموقع بالتأصيل الشرعي للتصوف المقتبس من مشكاة نور النبوة والتعريف بمقامات وأعلام الصوفية. إلى جانب نشر كتب ورسائل عن التصوف.

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح حزب البحر للشيخ أبي الحسن الشاذلي/أحمد زروق-8

ثم قال الشيخ رضي الله عنه : (انصُرنَا فإنَّكَ خيرُ النّاصِرِينَ، وافتَحْ لنَا فإنّكَ خيرُ الفَاتِحينَ ، واغفِرْ لنَا فإنَّكَ خيرُ الغَافِرينَ ، وارحَمْنا فإنّكَ خيرُ الرّاحِمينَ ، وارزُقنا فإنّكَ خيرُ الرّازِقينَ ، واهْدِنَا ونَجِّنَا مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وهَبْ لنَا رِيحاً طيّبةً كما هيَ في عِلمِكَ ، وانشُرْها علينا مِنْ خَزَائِنِ رحمتِكَ ، واحمِلْنَا بِها حَمْلَ الكرامةِ معَ السّلامةِ والعافيةِ في الدّينِ والدُّنيا والآخرةِ إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير) .

قلت : هذا تفسير لموقع التسخير بماذا يكون , كما ان قبله رمز واجمال له , فهذه الجملة تفصيل وتفسير في تفضيل , فالنصرة من بساط الكفاية , والفتح من بساط الهداية , والرزق من وجوه الولاية , والرحمة والهداية من عين العناية , والنجاة من صدق الوعد , قال تعالى : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}, وذكر الريح الطيبة رجوع للحاجة المناسبة , وكونها ريحا طيبة هو المقصود لا مطلق الريح , إذ قد تكون مهلكة , بل كل ما جاء في القران من الريح بالأفراد , إنما جاء بالإهلاك غير ما قيد في قوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) في مقابلة قوله تعالى : ( جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ) فافهم .

وقوله : (  كَما هيَ في عِلمِكَ ) : تبري من الاقتراح بتعيين المطلب , ورجوعا للتفويض في تعيينه , وكأنه يقول : الريح الطيبة في علمك هبها لنا , كان ذلك موافقا لعلمنا او مخالفا له , لأنه لا يعلم النافع والأنفع على الحقيقة إلا أنت , فإنا قد نحب الشيء وهو شر لنا , ونكره الشيء وهو خير لنا , وقد وقع علينا من ذلك أنا قد توقف علينا الريح , فكان جماعة منا يطلبون الريح الأريب لاعتقادهم أنه الموصل إلى طيب , وكنا نتجنب اقتراضهم في ذلك خوفا مما ذكرنا من ذلك , وربما نهيتهم عنه , فآتى الله بأريب عاينا منه الغرق , ولولا غيره جاء في الحال لكان ذلك , فرجع عقالهم لطلب الريح الطيبة على الإطلاق , فاسترحنا , واستمر الآمر والعافية .

ثم قوله رضي الله عنه : (وانشُرْها علينا مِنْ خَزَائِنِ رحمتِكَ) : يعني , واجرها لنا بالرحمة , ومن عين الرحمة , لا بالغضب , ولا من عين الغضب , لأنه تعالى قد يرحم بما به يعذب , وبعذب بما به يرحم , وقد أهلك الله قوم عاد بالريح , وسخرها لسليمان عليه السلام , فكانت من النعم في ملكه ,و أجراها كذلك في البر والبحر , وكذا سائر الأسباب الجارية , يرحم بها قوما ويعذب بها قوما آخرين , فإذا جرت من بساط الرحمة كانت نعمة , وإذا جرت من بساط الغضب كانت نقمة , ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول عند هيجان الريح : ( اللهم لا تهلكنا بسخطك وعقابك وعافنا قبل ذلكوقد يكون طلبه من بساط الرحمة لا بسبب ولا بعلة .

وقوله رضي الله عنه : (واحمِلْنَا بِها حَمْلَ الكرامةِ معَ السّلامةِ والعافيةِ في الدّينِ والدُّنيا والآخرةِ) يعني واحملنا بالريح حمل الكرامة التي حملت بها آدم وبنيه , ونوحا وذريته , فقلت وقولك الحق : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) . واحترز بحمل الكرامة من حمل الإهانة الذي سلط على قوم عاد , اذ كانت تحمل البعير بحمله , قال تعالى : ( مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) . والسلامة, نفي العوارض والآفات حتى لا يلحقه شر ولا ضر . والعافية , خلو الوقت عن الانزعاج , والاضطراب , والتغلب , ثم إن كان بالسكون إلى الله والرضى عنه فعي العافية الكاملة . وان كان بجريان الأسباب الموافقة فهي العافية العادية , والسلامة في الدين بامتثال الأوامر , والاستسلام للقهر من غير مناف , ولا معارض . والسلامة في الدنيا , بجريان الأغراض على الموافقة , ونفي العوارض عن كل حالة موافقة . ويجمع ذلك العيشة الهنية والحالة المرضية , لأنه لا يتم أمر الدنيا والآخرة إلا بالهناء , حتى إن أهل الجنة في الجنة لولا قوله تعالى : (هَنِيئًا ) بعد : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) ما صح كونه منة عليهم .

وقول الشيخ رضي الله عنه : (إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير) : يعني أن ذلك لا يعز عليك , ولا يبعد في قدرتك ان تعطيني ذلك بلا سبب ولا علة . وفيه إشعار بعجز العبودية , واتساع الربوبية , والمنع والعطاء , والتيسير , وغيره.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق