آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الشريعة والحقيقة

 ينبع مصدر التصوف الإسلامي من الكتاب والسنة هذا ما أقره الصوفية، فالشريعة هي المصدر الأول والأخير لعلومهم، وحقيقة الشريعة هي ما نص عليه الشارع عن طريق الروح المحمدية السارية في الوجود.

ووضع الشريعة في العالم - على رأي ابن عربي - له أمران، أولهما صلاح العالم وهو منهج الأنبياء الذين بعثهم الله لتظيم وتسيير أمور الكون من خلال شريعته كقوله تعالى : {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا}[المائدة:48]، فالشرع هو الدين، والمنهاج هو الطريق بالتفسير الديني، وثانيهما إثبات ذلة العبودية، وظهور عزة الربوبية، فأصل العبودية هو التذلل والخضوع، إذ بهما تتحقق العزة للربوبية.

إذن في المصطلح الصوفي الشريعة هي الالتزام بالعبودية، والحقيقة هي مشاهدة الربوبية، وكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبولة، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير مقبولة، هذا ما ذكره القشيري في رسالته : "فالشريعة جاءت بتكليف الخلق، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق".

وقيل أيضا : "الشريعة تكليف بالظواهر، والحقيقة شهود الحق في تجليات المظاهر" يعني أن الشريعة هي أن يلتزم العبد بأوامر الحق، ويتجنب ما نهي عنه، أما الحقيقة فهي ما يصل إليه الصوفي من خلال مجاهداته إلى مرتبة أعلى حيث تنكشف له الحجب، فيشاهد أسرار الربوبية، ولهذا قيل : الشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده، ولا تصح إحداهما دون الأخرى، ويضيف الصوفية الطريقة أيضا وهو سلوك طريق الشريعة وتتبع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والعمل به.

وبهذا نستطيع أن نقول أن النواة الأولى لانطلاق الصوفي في سفره الروحي هو أن يكون عالما بأحكام الشريعة، ملتزما بأوامر العبودية، فكل متصوف فقيه وليس كل فقيه متصوف، لأن المتصوف عارف لا يقف عند ظاهر الشريعة كما يفعل ذلك الفقيه وإنما يتعمق في باطنها، أي الشريعة ظاهر الحقيقة والحقيقة باطن الشريعة.

ومن هنا قسم الصوفية الشريعة إلى ظاهر وباطن، فالظاهر يختص به علماء الشريعة أما الباطن فهو لأهل التصوف، ولا يعني هذا أن الصوفية يأخدون بالباطن دون الظاهر، وإنما هما ثنائيتان جوهريتان في علم التصوف.

فالشريعة والحقيقة مترابطان بحيث أنهما يمثلان عينا واحدة لها دائرتان عليا وسفلى، فالعليا لأهل الكشف والسفلى لأهل الفكر، ولما فتّش أهل الفكر عما قاله أهل الكشف فلم يجدوه في دائرة فكرهم قالوا هذا خارج عن الشريعة، فأهل الفكر ينكرون على أهل الكشف وأهل الكشف لا ينكرون على أهل الفكر، فمن كان ذا كشف وفكر فهو حكيم.

وهذا دليل على مدى استيعاب الحقيقة للشريعة، في حين أن أهل الرسوم بعيدون تماما عن أهل الكشف، وكلما حاولوا الوصول إلى ما توصل إليه الصوفية، وجدوها لا تنطبق مع معارفهم، فأدى بهم إلى إنكار حقائق أهل الكشف، في حين نجد الأمر يختلف عند أهل الكشف، فهم لم ينكروا أبدا ما قرره أهل الرسوم، لأن معارفهم هي النواة الأولى في الطريق ولن يتوقف الأمر بهم إلى هذا الحد بل إنهم تجاوزوا ظاهر الشريعة ليصلوا إلى باطنها.



التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية