آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شرح أنوار السرائر وسرائر الأنوار -14

ذكر الناظم أولا مقام التّوبة ذكرًا جمليًا هنا في قوله : "فَــيــبــدُو مــقــامَ التَّــوْب" المبيت، ثم ذكر الشيخ بقوله : "ومن بعده الشيخ" لكن لمّا قال في وصفه أنه يلقى مراد الحق في السر والجهر تسلى منه إلى ما ذكر بعده من قوله فقُم إلى تمام خمسة أبيات إذْ له نوع تعلى بذلك ثمّ رجع إلى تكميل ما يتعلق بذكر الشيخ، بذكر علامته، ومن يسأل عنه، وكيفيّة التأدّب معه، ثمّ أخد في بيان الأخذ في التوبة على سبيل التفصيل، فذكر متمِّماتها من المجاهدة والمحاسبة والمراقبة والورع الخادم في ذلك كله، هذا ما فتح الله في وجه ترتيب كلامه ثمّ قال رضي الله عه :

وَمِـنْ بَــعْــدِهِ الشـَّـيْــخ الَّذِي هُــوَ قُــدْوَةٌ. يَــلْقَــى مُـرَاد الحَـقِّ فـِي السِّـرِّ وَالجَـهْـرِ

الضمير في قوله : "ومن بعده" يعود لمقام التوبة، و"الشيخ" مبتدأ خبره في المجرور قبله، و"القدوة" مثلث القاف من يصح الاقتداء به و"يلقى مراد الحق"، أي يبين ذلك ويوضحه وهو نعت ثان للشيخ، وفي بعض النسخ و"يلقى" مضارع ألقى من الالقاء، وواوه للحال وبعدها مبتدأ مقرِّرا، أي وهو يلقى إلى آخره، لأن الجملة الحالية المصورة بالمضارع المثبت إذا دخلت عليها ينوى بينهما مبتدأ ويجعل ذلك المضارع خبرًا عند وفي بعضها يكافى مضارع لآخر وغاية ما ظهر لنا فيه أنه إشارة إلى نفوذ نظره وإصابة رأيه وكمال بصيرته وتنوير سريرته، حتى لا يوقف المريد إلا فيما أهله المُتعالى له ولا يريد منه إلا ما أراد الله منه فيلاقي مراده من المريد مراد الله منه، أي يوافقه بل هو هو لأنه بالله فيما يأمر به وينهاه عنه، ويحتمل أن يكون أشار لما للشيخ من الإشراف على بواطن المريدين والتحكم فيها فإنه يحول بينه وبين حاله إذا سطى عليه، ويستجلبه له إذا تخلّى عنه، حتى كأنّه في الصورة يلاقي عنه القدر.  و"الحق" من أسمائه تعالى وتقدّس، ومعناه فيه سبحانه الثابت الوجود لذاته الذي لا يقبل الزوال ولا العدم ولا التغير لا أزلًا ولا أبدًا. وقيل هو المحق للكائنات أي المثبت لذواتها وصفاتها ولولاه لبطلت وبفيت على العدم أبد الآباد. وقيل هو مظهر الحق بقوله الصدق وحكمه العدل. 

قال الإمام أبو حامد رضي الله عنه : "وأهل التصوف لما كان الغالب عليهم رؤية فناء أنفسهم من حيث ذاتهم، كان الجاري على لسانهم من أسماء الله عز وجل في أكثر الأحوال اسم الحق، لأنهم يلحظون الذات الحقيقية دون ما هو هالك في نفسه" وفي بعض النسخ :الله بدل الحق، قال الشيخ أبو عبد الله محمد البكري رضي الله عنه : هو اسم علم على الذات الواجب الوجود وهو اسم مختص به تعالى فلا يسمّى به غيره شرعاً ولم يقح خارجا حفظا لأحديته وتنبيها للعقول السليمة على عدم المشاركة في ذاته فكما لا مشاركة في اسمه وشعًا فكذلك لا مشاركة في المسمّى وجودًا وعينًا قال واختلف هل هو اسم الذات من حيث هو ، أو اسم الذات من حيث الصفات، وعلى هذا اختلفوا هل هو مشتق أم لا، في النظر الأول يكون غير مشتق وعليه جمهور العلماء من أهل علم الكلام والحديث والتصوف، وبالنظر الثاني يكون مشتقا، ثم إذا كان مشتقا فهو من معنى مستلزم لسائر الصفات الإلهية، فلذلك كان الأحسن في اشتقاقه أنه من ألِه بمعنى تحيّر، فهو فعّال بمعنى مفعول، أي المتحيِّر فيه وذلك لأن أبصار أولي الألباب تحيَّرت وتفرقت عند ظهور شمس جلاله، واندكت جبال العقول عند تجلي نور جلاله، وذلك يستلزم التميز عن سائر الممكنات بذاته، والتعزز من أن ينال شيء من حقيقة أفعاله، فضلا عن صفاته وذاته، وبالجملة فهذا الاشتقاق يشعر بالاتصاف بصفات الجلال وصفات الإكرام التي لا يمكن المشاركة فيها، وذلك حجة الألوهية أو مستلزم لها، أو يكون مشتقًّا من إله بمعنى بفعال أيضا بمعنى مفعول، أي معبود لأنه جل وعلا متصف بجميع الصفات التي بها إيجاد الأشياء وحفظها، وكل ما كان كذلك فهو مقاد له ومذل، وكل ما كان كذلك فهو معبود، وهذان الوجهان أحسن ما ذكر في الاشتقاق، وسائر وجوه الاشتقاق المذكورة في الكتب المبسوطة ترجع إلى أحدهما بالتأمل. وقوله "في السر والجهر" من أنواع البديع المطابقة ويسمّى أيضا بالطباق والتضاد وهو أن يجمع بين معنيين، بينهما نوع من أنواع التقابل، حقيقيا كان أو اعتباريًا كالليل والنهار، والموت والحياة، والنوم واليقظة، والسر والجهر. 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق