آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كيف تكون صوفيًا

ألم تفكر يومًا في أن تكون صوفيًا ؟


ألم تحدثك نفسك بتحقير المعارك الصغيرة التي تخوضها من أجل مناصب أو درجة أو تحصيل منفعة ؟ ألا تتمرّد على نفسك وهي تقودك إلى شهوة تذهب لذتها وتبقى تبعتها.. ؟ ألا تشعر أحيانًا بأصوات خفيَّة تنبعث من أعماقك تدعوك إلى السمو والارتقاء فوق الحاجة والرغبات ..؟ ألم تشعر ذات يوم برغبة في الاختلاء بنفسك بعيدًا عن صخب الناس وضجيجهم.. تراجع نفسك وتقف أمام ضميرك ليحاسبك على ما فرّطت في جنب الله.. ؟

إذا كان الأمر كذلك - وإنّه لكذلك - فأنت تحمل في أعماقك بذور التصوف، وكل إنسان - من حيث هو إنسان - يحمل هذا البذور، فالثابت أن الرغبة في الزهد والتأمل والعبادة ظاهرة إنساية، فإذا استمعت إلى صوت ضميرك وبدأت تتأمّل نفسك ذاتيًا فقد وضعت قدمك على أولى عتبات التصوف.

والتصوف ليس معناه أن تلبس الخرقة والمرقعة وتمشي في الأسواق تهذي بكلام غير مفهوم وتتلقى صدقات المحسنين.. فتلك صفات المجاذيب.. كذلك لن تكون صوفيا ولو قرأت ألف كتاب عن التصوف، فالتصوف تجربة ذاتية لا تتحقق بالقراءة، ولكن بالمعاناة والمجاهدة والصبر والتذوق حتى تتكشف لك عوالم جديدة خاصة وليس شيئًا مشتركًا بين الناس جميعًا. إنه شيء قريب من الفن ..وهو نتيجة خبرة ذاتية تعتمد على الاستبطان.. والذوق.. ومن طريف ما يُروى عن الذوق الصوفي أن تلميذًا للصوفي المشهور محيي الدين بن عربي جاءه يومًا فقال له : إن الناس ينكرون علينا علومنا "التصوف" ويطالبون بالدليل عليها .. فقال له ابن عربي ناصحًا : إذا طالبك أحد بالدليل والبرهان على علوم الأسرار الإلهية، فقل له : وما الدليل على حلاوة العسل ؟ فلابد أن يقول لك : هذا علم لا يحصل عليه إلا بالذوق .. فقل له : هذا مثل ذلك..

ومعنى هذا أنك إذا أردت أن تكون صوفيًا فعليك أن تطرح جانبًا البراهين العقلية لأنها لن توصلك إلى الحقيقة الإلهية التي تسعى الصوفية إلى بلوغها، وهم بلغوها عن طريق الذوق والكشف، وليس عن طريق الحواس المعروفة، وليس عن طريق العقل.

ولقد أوضح العلامة ابن خلدون سبيل الصوفية إلى المعرفة الإلهية عنن طريق المجاهدة وما يتبعها من خلوة وذكر، يتبعها كشف حجاب الحس، والاطلاع على عوالم من أمر الله، ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها.. والروح من تلك العوالم.. عندئذ يقترب الصوفي من درجة الكشف.

ثم يقول ابن خلدون : إن الروح إذا رجعت عن هذا الحس الظاهر إلى الباطن ، ضعفت أحوال الحس ، وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه ، وتجددت نشوته ، وأعان على ذلك الذكر، فإنه كالغذاء لتنمية الروح ، ولا يزال في نمو وتزايد إلى أن يصير "شهودا" بعد أن كان "علمًا" ، وتكشف حجاب الحس ، ويتم وجود النفس الذي لها من ذاتها ، وهو عين الإدراك ، فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم اللدنية والفتح الإلهي ، وتقرب ذاته من الأفق الأعلى.. أفق الملائكة.. فإذا كان أهل الحق مختصين بسلوك معين أضحوا كذلك مختصين بمصدر خاص يدركون منه علمهم.. هذا المصدر هو النفس البشرية.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية