آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

ذكر الله وتحصيل الحضور

-

حتمية الإذن


الإذن اصطلاحًا هو الأمر ويقصد به أمر المشرف تلميذه أو مريده بذكر صيغة معينة من الذكر حسب ما تمليه طبيعة الإذن وظروف السلوك إلى الله.

وقد ذكر الإذن في غير ما آية من كتاب الله عز وجل، وجعل أدبًا من أدب الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ جَامِعٍۢ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَـْٔذِنُوهُ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَـْٔذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ فَإِذَا ٱسْتَـْٔذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور:62]. واعتبرت في مجال الأدب هذا آية. الإذن على الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ...}.[الأحزاب:53]

إلا أن المقصود بالإذن في هذه الحتمية، هو ما أشرنا إليه آنفًا من تلقين الشيخ المشرف على سير المريد أذكارًا وأورادًا تعين هذا الأخير على حسن السلوك إلى الحق، وغرضنا في طرح هذه الإشكالية درء الغبار عمّا علق بهذه المسألة من كلام - يعذر فيه أصحابه - من خلال الزوايا الآتية ك

أ - الصحبة في الذكر :


لا شك أن الإسلام هو دين الصحبة، وما سُمِّي الصحابة بهذا الإسم إلا لصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتلأت كتب الحديث بأبواب الصحبة من مختلف وجوهها، ولا نريد التدقيق في هذه النقطة من جميع الحيثيات المرتبطة بها، وإنما نود في هذا الصدد أن نقتصر على ما يرتبط بموضوعنا وهو الصحبة في الذكر التي نصّ عليها القرآن الكريم صراحة على لسان نبي الله موسى : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}[سورة : طه]، فطلب سيدنا موسى مؤازرة أخيه له ومشاركته له في أمره من أجل غاية واحدة هي تسبيح الحق وذكره الذكر الكثير : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا*وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا).

وهل كان يحتاج رسول من أولي العزم إلى مؤازرة بشر وهو كليم الله ومؤيد من طرفه، ولكن فهمه عليه السلام لضرورة الرفقة في الذكر، جعله يتوجّه إلى الحق بالطلب كما هو منصوص عليه صراحة في الآية، ولا شك أن حال الصاحب تعدى المصحوب، وكلما صاحب الإنسان ذا الهمّة العليّة في الذكر كلما تأثّر به وذَكَر الله.

ب - الإذن في عمل الصحابة


إذا كانوا رضي الله عنهم قد صاحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وألقوا الإنقياد إليه، فإنهم لم يكونوا ليعملوا عملًا دون إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان هذا العمل معروفًا عندهم مشروعًا منقبل، فهذا معاذ بن جبل وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام يتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسؤال : (يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخِلُنِي الجنة ويُبَاعِدُني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليَسير على من يَسَّره الله تعالى عليه: تعبدُ الله لا تشركُ به شيئًا، وتُقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ... الحديث)1 وإن كل ما ذكر في جلِّ أطوار هذا الحديث لم تكن غريبة على معاذ اللهم الا تعجبه من المؤاخدة على القول، فكان طلبه الإذن بعمل يدخله الجنة هو هدفه المرجو، وإلا فما كان ليخفى عليه وهو مصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضرورة توحيد الله وعدم الشرك به كبند أول في عقد الإسلام إضافة إلى باقي الأركان مع الصدقة وقيام الليل.

وأخرج الإمام البخاري في باب قول النبي عليه السلام : (أنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ) وأن المعرفة فِعلُ القلبِ لقوله تعالى : { وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة:225] عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أمَرَهُمْ، أمَرَهُمْ مِنَ الأعْمَالِ بما يُطِيقُونَ، قالوا: إنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ قدْ غَفَرَ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ في وجْهِهِ، ثُمَّ يقولُ: إنَّ أتْقَاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أنَا) فإذنه صلى الله عليه وسلم للصحابة بالعمل كان على حسب طاقتهم وهذا معنى رفيع لضرورة الإذن في العمل - خصوصًا ما زاد على الفرض - إذ يحتاج المرء صاحب بصيرة يعرف قدر طاقته ومقدار تحمله لهذا العمل. تذوق الصحابة لحلاوة العمل دفعهم لطلب المزيد منه ولهذا لم يقوموا بأنفسهم بالزيادة فيه، وإنما رجعوا إليه عليه السلام يلتمسون الإذن في العمل مقارنين أحوالهم المحتاجة إلى الزيادة بحاله عليه السلام الكاملة،فيغضب عليه السلام ويدلهم على حقيقة مميزة له عنهم : (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْللَمُكُمْ بِاللهِ أَنَا)ومن تقواه وعلمه بالله وخصوصيته بالإذن كان توجيهه لهم للعمل على قدر طاقتهم.

وقد جاء لفظ الاستئذان في العمل صراحة في حديث عمر بن الخطاب قال : (اسْتَأْذَنْتُ النبِيَّ -صلى الله عليه وسلَّم- في العُمرة، فَأَذِنَ لِي، وقال: «لاَ تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ» فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أّنَّ لِيَّ بِهَا الدُّنيَا.وفي رواية: وقال: «أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ فِي دُعَائِكَ». قال النووي: حديث صحيح رواه أبو داوود والترمذي.

فدل على أن سيدنا عمر كان يعلم ضرورة استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمل شرعي ندب إليه القرآن الكريم والسنّة النبويّة، وأن رسول الله صلى الله ع_ليه وسلم أذن له بمعنى أن العمل كان متوقفًا على موافقة الرسول عليه السلام أو عدمها.

       

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق