آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مدارج السالكين إلى رسوم طريق العارفين -14



ومنها : أن لا يجلس قط بين يدي شيخه إلّا وهو مستوقر كجلوس العبد بين يدي سيِّده، وليحذر كل الحذر من الإكثار من مجالسته فإنّ المريد ربّما ذهبت حرمة شيخه من قلبه بكثرة مجالسته، فيهون عليه بذلك قدره فيحرم بركته كما هو شأن نقباء الأشياخ، فإذا قام المريد من بين يدي شيخه فلا يُولِّه ظهره بل يقوم مواجهًا له حتى يتوارى عنه بجدار أو غيره، فإنَّ الترقي لا يكون قطّ لمريد إلّا إن لزم حرمة الشيخ، فإن بأدبه معهُ يترقّى إلى الأدب مع أكابر الحضرة الإلهية، فإذا تأدّب مع أهل الحضرة ترقّى إلى الأدب مع الحق جلّ وعلا، فمن لا يتأدّب مع شيخه فهو في حضرة الدواب، والسلام.

ومنها : أن لا يطلب من شيخه الجواب عن رؤيا رآها أو حادثة حدثت له، بل يذكر حاجته ويسكت، فإن أجابه شيخه كان وإلّا أعرض بقلبه عن طلب الجواب ليَّلا يصير شيخه محكومًا عليه بإلزامه الجواب له، وهذه طريقة تخالف طريق الفقهاء والفرق، سِيَما أنّ طريق الفقراء مواجيد يجدونها، وطريق الفقهاء نقول ينقلونها ويحكونها، فمن قال من المريدين لشيخه : "لِمَا كان كَذا ؟" فإنه لم يفلح قط في طريق القوم، ومن قال من الفقهاء لشيخه : "لِمَا كان ؟" هو كذا أفلح، ولكل طريق طلب يناسبها والسلام.

ومنها : أن لا يطيع في شيخه قول قائل، ولا يصاحب له عدوًّا، ولا يباعد له صديقًا ولا يباغضه، وكذلك لا يجالس من خرج على شيخه، ويقول أنا ما عندي شيخ إلّا فلان الذي لم يتصدّر لمشيخة.

واعلم أنّ ملخّص باب المشيخة هو نصح المسلمين ومحبّة الخير والترقي لهم لا غير. فالتارك لهذه الأمور عاص لله، فكيف يُمدح من يستحق هذا الذم هذا إذا كان عارف بالطريق، وأما إذا كان جاهلًا بها فلا تفاضل بينه وبين الأشياخ الجهلة، ولكن للأشياخ أسوة بالرسل عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى : {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا}[الأنعام:112] فهي للأشياخ بحكم الإرث، ويجب على المريد أن يحبَّ كلُّ مَن قرَّبهُ شيخه، ويُبعد كل مَن أبعده شيخه جملة واحدة، ومن أدلِّ دليل على عدم صدق المريد في محبّة شيخه، أن يكره أحدًا من أصحابه، أو ينقصَه أو يكشف له عورة، لأن تنقيص العبد تنقيصٌ لسيِّده، وتعظيمُهُ تعظيمٌ له.

ومن هنا يترقّى المريد إلى محبّة جميع الخلق ومحبّة نسبتهم إلى الكمال لأجل مَن هُم عبيد له سبحانه وتعالى.

ولكن إن أمره شيخه أن يجانب أحدًا من أصدقائه وغيره وجب اجتنابه، ولا يغتر بإظهار شيخه محبّة ذلك الصديق؛ لأنّ من شأن الشيخ الإقبال على كل الناس حتى لا يصير له عدو قط، إلّا من المجرمين بوسع ما هو عليه من الأخلاق المحمديّة فاعلم ذلك.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية